مصابيح الدّجى ، ولم يرضوا بغيرهم رغم سياسة الترغيب والترهيب التي قادها الأمويون ، ومن بعدهم العبّاسيون طيلة سبعة قرون ، تتبّعوا خلالها الشيعة تحت كُلّ حجر ومدر ، وقتلوهم وشرّدوهم ، ومنعوهم العطاء ، ومحوا آثارهم ، وأثاروا حولهم الإشاعات والدعايات التي تنفر الناس منهم ، وبقيت هذه الآثار حتّى اليوم . ولكن الشيعة ثبتوا وصمدوا وصبروا وتمسّكوا بالحق ، لا تأخذهم في الله لومة لائم ، وهم يدفعون حتّى اليوم ثمن هذا الصمود ، وإنّي أتحدى أيّ عالم من علمائنا أن يجلس مع علمائهم ويجادلهم ، فلا يخرج إلاّ مستبصراً بالهدى الذي هم عليه . نعم ، وجدت البديل - والحمد لله - الذي هداني لهذا وما كنت لاهتدي لولا أن هداني الله . الحمد لله والشكر له على أن دلّني على الفرقة الناجية التي كنت أبحث عنها بلهف ، ولم يبق عندي أيّ شك في أنّ المتمسك بعليّ وأهل البيت قد تمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها ، والنصوص النبوية على ذلك كثيرة أجمع عليها المسلمون ، والعقل وحده خير دَليل لمن ألقى السمع وهو شهيد . فعليّ كان أعلم الصحابة وأشجعهم على الإطلاق [1] ، وذلك بإجماع
[1] ورد عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال : " أنا مدينة العلم وعلي بابها " ، فعلي باب مدينة علم النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فهو العلم ومنه العلم . وإليك مصادر الحديث : قال السيوطي في تاريخ الخلفاء : 131 : " وأخرج البزار والطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله وأخرج الترمذي والحاكم عن علي قال : قال رسول الله - عليه الصلاة والسلام - : " أنا مدينة العلم وعلي بابها " ، هذا حديث حسن على الصواب ، لا صحيح كما قال الحاكم ، ولا موضوع كما قاله جماعة منهم ابن الجوزي والنووي ، وقد بينت حاله في التعقبات على الموضوعات " . وقال السيد حسن السقاف في كتاب تناقضات الألباني الواضحات 3 : 82 : " صح عنه ( صلى الله عليه وآله ) أنّه قال : " أنا مدينة العلم وعلي بابها " ، صححه الحافظ ابن معين كما في تاريخ بغداد 11 : 49 ، والإمام الحافظ ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار ، مسند سيدنا علي : 104 حديث 8 ، والحافظ العلائي في النقد الصحيح ، والحافظ ابن حجر ، والحافظ السيوطي كما في اللألئ المصنوعة 1 : 334 ، والحافظ السخاوي كما في المقاصد الحسنة " . وفي فيض القدير في شرح الجامع الصغير للمناوي 3 : 60 : 2705 : " أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب " فإنّ المصطفى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) المدينة الجامعة لمعاني الديانات كُلّها ، أو لا بدّ للمدينة من باب ، فأخبر أنّ بابها هو علي كرم الله وجهه ، فمن أخذ طريقه دخل المدينة ، ومن أخطأه أخطأ طريق الهدى . وقد شهد له بالأعلمية الموافق والمخالف ، والمعادي والمحالف ، خرج الكلاباذي أنّ رجلاً سأل معاوية عن مسألة فقال : سلّ علياً هو أعلم منّي ! فقال : أُريد جوابك ! قال : ويحك أكرهت رجلاً كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يغره بالعلم غراً . وقد كان أكابر الصحب يعترفون له بذلك ، وكان عمر يسأله عمّا أشكل عليه ، جاءه رجل فسأله ، فقال : هاهنا علي فاسأله . فقال : أريد اسمع منّك يا أمير المؤمنين ! قال : قم ، لا أقام الله رجليك ، ومحى اسمه من الديوان . وصح عنه من طرق أنّه كان يتعوذ من قوم ليس هو فيهم ، حتّى أمسكه عنده ولم يوله شيئاً من البعوث ، لمشاورته في المشاكل . وأخرج الحافظ عبد الملك بن سليمان قال : ذكر لعطاء أكان أحد من الصحب أفقه من عليّ ؟ قال : لا والله . قال الحراني : قد علم الأوّلون والآخرون أنّ فهم كتاب الله منحصر إلى علم علي ، ومن جهل ذلك فقد ضلّ عن الباب الذي من ورائه يرفع الله عن القلوب الحجاب ، حتّى يتحقّق اليقين الذي لا يتغير بكشف الغطاء ، إلى هاهنا كلامه ( عق عد طبا ك ) وصححه ، وكذا أبو الشيخ ] ابن حبّان [ في السنة كُلّهم ( عن ابن عبّاس ) ترجمان القرآن ( عد ك عن جابر ) بن عبد الله ، ورواه أحمد بدون فمن . . الخ . قال الذهبي كابن الجوزي : موضوع . وقال أبو زرعة : كم خلق افتضحوا به . وقال ابن معين : لا أصل له . وقال الدارقطني : غير ثابت . وقال الترمذي عن البخاري : منكر ، وتعقبه جمع أئمة منهم الحافظ العلائي فقال : من حكم بوضعه فقد أخطأ ، والصواب أنّه حسن باعتبار طرقه ، لا صحيح ولا ضعيف ، وليس هو من الألفاظ المنكرة الذي تأباه العقول . . وقال الزركشي : الحديث ينتهي إلى درجة الحسن المحتج به ، ولا يكون ضعيفاً فضلاً عن كونه موضوعاً . وفي لسان الميزان : هذا الحديث له طرق كثيرة في المستدرك ، أقل أحوالها أن يكون للحديث أصل فلا ينبغي اطلاق القول عليه بالوضع اه . ورواه الخطيب في التاريخ باللفظ المزبور من حديث ابن معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عبّاس ، ثُمّ قال : قال القاسم : سألت ابن معين عنه فقال : هو صحيح . قال الخطيب : قلت أراد أنّه صحيح من حديث أبي معاوية ، وليس بباطل إذ رواه غير واحد عنه ، وأفتى بمسند ابن حجر وتبعه البخاري فقال : هو حديث حسن " . وفي عمدة القارئ للعيني 16 : 215 : " وفي التلويح : ومن خواصّه ، أي خواص علي ( رضي الله تعالى عنه ) فيما ذكره أبو الشاء : أنّه كان أقضى الصحابة ، وأنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تخلف عن أصحابه لأجله ، وأنّه باب مدينة العلم . . " . وفي الاستيعاب لابن عبد البرّ 3 : 1102 : " وروي عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال : " أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأته من بابه " ، وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في أصحابه : " أقضاهم عليّ بن أبي طالب " ، وقال عمر بن الخطاب : علي أقضانا . . " . وقد الف علماء أهل السنّة كتباً في هذا الحديث ، وبيان طرقه ، منها كتاب ( فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي ) لأحمد بن الصديق الغماري وفي مجمع الزوائد للهيثمي 9 : 114 : " أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال لفاطمة : أما ترضين أني زوجتّك أقدم أُمتي سلماً ، وأكثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً " ، قال : " رواه أحمد والطبراني برجال وثقوا " وراجعه في أسد الغابة لابن الأثير 5 : 520 ، والذرية الطاهرة للدولابي : 63 . وفي مستدرك الحاكم 3 : 125 بسنده إلى أبي إسحاق قال : " سألت قثم بن العبّاس : كيف ورث علي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دونكم ؟ قال : لأنّه أولنا به لحوقاً ، وأشدّنا به لزوقاً " . قال الحاكم : " هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه " ووافقه الذهبي في التلخيص ، ثمّ قال : " سمعت قاضي القضاة أبا الحسن محمّد بن صالح الهاشمي . . . سمعت إسماعيل بن إسحاق القاضي يقول ، وذكر له قول قثم هذا فقال : إنّما يرث الوارث بالنسب وبالولاء ، ولا خلاف بين أهل العلم أنّ ابن العم لا يرث مع العمّ ، فقد ظهر بهذا الاجماع ، أنّ عليّاً ورث العلم من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دونهم " . وروي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قوله : " عليّ عيبة علمي " تاريخ دمشق لابن عساكر 42 : 385 ، جمع الجوامع للسيوطي 6 : 153 ، وقال ( صلى الله عليه وآله ) : " أعلم أُمتي من بعدي عليّ بن أبي طالب " المناقب للخوارزمي : 82 ، كفاية الطالب للكنجي : 332 ، فرائد السمطين للجويني 1 : 97 ، كنز العمال للمتقي الهندي 6 : 153 ، وقالت عائشة : " انّ علياً أعلم الناس بالسنة " ذخائر العقبى : 78 ، نظم درر السمطين : 133 ، تاريخ دمشق 42 : 408 ، الصواعق المحرقة 2 : 372 ، الاستيعاب 3 : 40 ، وقال عمر : " أقضانا عليّ " الطبقات لابن سعد 2 : 339 ، المستدرك للحاكم 3 : 305 ، الاستيعاب 3 : 38 ، تاريخ دمشق 3 : 28 ، تاريخ ابن كثير 7 : 359 . وأما كونه ( عليه السلام ) أشجع الناس فقد قال الشعبي : " كان عليّ أشجع الناس " أنساب الاشراف للبلاذري : 121 ، وهو القائل ( عليه السلام ) : " والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها " نهج البلاغة 16 : 289 ، ويكفيه ما ثبت عنه في السرايا والغزوات وما وسمه النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم خيبر في حديث الراية .