وإذا كان البخاري قد قال : " ماتت وهي واجدة على أبي بكر فلم تكلمه حتّى توفّيت " فالمعنى واحد كما لا يخفى ، وإذا كانت فاطمة سيدة نساء العالمين ، كما صرّح بذلك البخاري في كتاب الاستئذان باب من ناجى بين يدي الناس ، وإذا كانت فاطمة هي المرأة الوحيدة في هذه الأمة ، التي أذهب الله عنها الرجس وطهّرها تطهيراً ، فلا يكون غضبها لغير الحقّ ، ولذلك يغضب الله ورسوله لغضبها . ولهذا قال أبو بكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة ، ثمّ انتحب أبو بكر باكياً حتّى كادت نفسه أن تزهق ، وهي تقول : والله لأدعونّ الله عليك في كلّ صلاة أصلّيها ، فخرج أبو بكر يبكي ويقول : لا حاجة لي في بيعتكم ، أقيلوني بيعتي [1] . غير أنّ كثيراً من المؤرخين ومن علمائنا يعترفون بأنّ فاطمة ( عليها السلام ) خاصمت أبا بكر في قضية النِّحلة والإرث وسهم ذي القربى ، فرُدّت دعواها حتّى ماتت وهي غاضبة عليه ، إلاّ أنّهم يمرّون بهذه الأحداث مرور الكرام ، ولا يريدون التكلّم فيها حفاظاً على كرامة أبي بكر ، كما هي عادتهم في كلّ ما يمسّه من قريب أو بعيد . ومن أعجب ما قرأته في هذا الموضوع ، قول بعضهم - بعد ما ذكر الحادثة بشئ من التفصيل - : " حاشى لفاطمة من أن تدّعي ما ليس لها بحق ، وحاشى لأبي بكر من أن يمنعها حقّها " . وبهذه السفسطة ظنّ هذا العالم أنّه حلّ المشكلة ، وأقنع الباحثين ، وكلامه هذا كقول القائل : " حاشى للقرآن الكريم أن يقول غير الحقّ ، وحاشى لبني إسرائيل أن يعبدوا العجل " .
[1] تاريخ الخلفاء المعروف بالإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري 1 : 31 .