ولكن التاريخ الصحيح يحدّثنا بأنّ عمر حين فرض العطاء في سنة عشرين للهجرة لم يتوخّ سنّة رسول الله ولم يتقيّد بها ، فقد ساوى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بين جميع المسلمين في العطاء ، فلم يفضّل أحداً على أحد ، واتّبعه في ذلك أبو بكر مدة خلافته ، ولكنّ عمر بن الخطاب اخترع طريقة جديدة ، وفضّل السابقين على غيرهم ، وفضّل المهاجرين من قريش على غيرهم من المهاجرين ، وفضّل المهاجرين كافة على الأنصار كافّة ، وفضل العرب على سائر العجم ، وفضل الصريح على المولى [1] ، وفضّل مضر على ربيعة ، ففرض لمضر ثلاثمائة ولربيعة مائتين [2] ، وفضّل الأوس على الخزرج [3] ، فأين هذا التفضيل من العدل يا أولي الألباب [4] ؟ ! ونسمع عن علم عمر بن الخطّاب الكثير الذي لا حصر له ، حتّى قيل : إنّه أعلم الصحابة ، وقيل : إنّه وافق ربّه في كثير من آرائه التي ينزل القرآن بتأييدها في العديد من الآيات التي يختلف فيها عمر والنبي ، ولكنّ الصحيح من التاريخ يدلّنا على أنّ عمر لم يوافق القرآن حتّى بعد نزوله ، عندما سأله أحد الصحابة أيّام خلافته فقال : يا أمير المؤمنين إنّي أجنبت فلم أجد الماء ، فقال له عمر : لا تصلّ ، واضطر عمار بن ياسر أن يذكّره بالتيمّم ، ولكنّ عمر لم يقنع بذلك وقال لعمّار : إنّا نحمّلك ما تحمّلت [5] .
[1] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 8 : 111 . [2] تاريخ اليعقوبي 2 : 106 . [3] فتوح البلدان : 437 . [4] قال ابن سعد في الطبقات 3 : 300 وهو يحكي عن عمر : " فدّون الديوان وفرض للمهاجرين الأوّلين في خمسة آلاف خمسة آلاف ، وللأنصار في أربعة آلاف أربعة آلاف ، ولأزواج النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) في اثني عشر الفاً " السنن الكبرى 6 : 350 ، وفتوح البلدان 3 : 555 ، وتاريخ مدينة دمشق 44 : 347 . [5] الرواية منقولة بالمعنى وهي موجودة في مسند أحمد 4 : 265 ، صحيح البخاري 1 : 87 ، كتاب التميم ، صحيح مسلم 1 : 193 باب التيمم ، سنن ابن ماجة 1 : 188 ، سنن النسائي 1 : 166 ، السنن الكبرى 1 : 209 ، قال ابن حجر في فتح الباري 1 : 376 : " وهذا مذهب مشهور عن عمر " .