الآخرين من الحاضرين على الجرأة ، ومن ثمّ الإكثار من اللغط في حضرة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) . إنّ هذه المقولة جاءت ردّاً مطابقاً تماماً لمقصود الحديث ، فمقولة : " عندكم القرآن " ، " حسبنا كتاب الله " مخالفة لمحتوى الحديث الذي يأمرهم بالتمسّك بكتاب الله وبالعترة معاً ، فكأن المقصود هو : حسبنا كتاب الله فهو يكفينا ، ولا حاجة لنا بالعترة . وليس هناك تفسير معقول غير هذا بالنسبة إلى هذه الحادثة ، اللّهم إلاّ إذا كان المراد هو القول بإطاعة الله دون إطاعة رسوله ، وهذا أيضاً باطل وغير معقول . . وأنا إذا طرحت التعصّب الأعمى والعاطفة الجامحة ، وحكّمت العقل السليم ، والفكر الحرّ ، لملت إلى هذا التحليل ، وذلك أهون من اتّهام عمر بأنّه أوّل من رفض السنّة النبوية بقوله : " حسبنا كتاب الله " . وإذا كان بعض الحكّام قد رفض السنّة النبوية بدعوى أنّها متناقضة ، فإنّه اتّبع في ذلك سابقة تاريخية في حياة المسلمين ، مع أنّي لا أحمّل عمر وحده مسؤولية هذه الحادثة وحرمان الأُمة من الهداية ، وحتّى أكون منصفاً في حقّه أحمّلها هو ومن معه من الصحابة الذين قالوا مثل مقالته ، وعضّدوا بذلك موقفه معارضة لأمر رسول الله . وإنّي لأعجب لمن يقرأ هذه الحادثة ويمر بها وكأنّ شيئاً لم يكن ، مع أنّها من أكبر الرزايا كما سمّاها ابن عبّاس [1] .
[1] لا يقال : " بأنّ قول ابن عبّاس هذا اجتهاد منه ، وهو معارض بقول عمر واجتهاده " . فإنّا نقول : إنّ اجتهاد ابن عباس جاء موافقاً للنصّ حيث أراد النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يكتب ما يعصم الأمة من الضلال والاختلاف ، فمنع بعض الصحابة واتهامهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان من أعظم الرزايا والمصائب ، ولكن اجتهاد عمر جاء مخالفاً للنصّ ومعارضاً له ومانعاً إيّاه ، وهو الذي سبّب الاختلاف والفرقة ، فأيّ اجتهاد هذا ؟ !