ولا يفوتني أن أذكر هنا قضية حضرتها وأعجبت في كيفية فصلها ، وأذكرها للتاريخ ، لما لها من أهمّية بالغة حتّى يعرف المسلمون ماذا خسروا بتركهم حكم الله . جاء إلى السيّد محمّد باقر الصدر أربعة رجال أظنّهم عراقيين ، عرفت ذلك من لهجتهم ، كان أحدهم ورث مسكناً من جدّه الذي توفي منذ سنوات ، وباع ذلك المسكن إلى شخص ثان كان هو الآخر حاضراً ، وبعد سنة من تاريخ البيع جاء أخوان ، وأثبتا أنّهما وارثان شرعيان للميّت ، وجلس أربعتهم أمام السيّد وأخرج كُلّ واحد منهم أوراقه وما عنده من حجج ، وبعدما قرأ السيّد كلّ أوراقهم وتحدّث معهم بضع دقائق حكم بينهم بالعدل ، فأعطى الشاري حقه في التصرّف بالمسكن ، وطلب من البائع أن يدفع للأخوين نصيبهما من الثمن المقبوض ، وقام الجميع يقبّلون يده ، ويتعانقون . ودهشت لهذا ولم أصدّق ، وسألت أبا شبّر : هل انتهت القضية ؟ قال : خلاص كلّ أخذ حقّه . سبحان الله ! بهذه السهولة ، وبهذا الوقت الوجيز ، بضع دقائق فقط كافية لحسم النزاع ؟ إنّ مثل هذه القضية في بلادنا تستغرق عشر سنوات على أقل تقدير ويموت بعضهم ، ويواصل أولاده بعده تتبّع القضية ، ويصرفون رسوم المحكمة والمحامين ما يكلّفهم في أغلب الأحيان ثمن المسكن نفسه ، ومن المحكمة الابتدائية إلى محكمة الاستئناف ، ثُمّ إلى التعقيب ، وفي النهاية يكون الجميع غير راضين ، بعد ما يكونون قد أنهكوا بالتّعب والمصاريف والرشوة ، والعداوة والبغضاء بين عشائرهم وذويهم . أجابني أبو شبّر : وعندنا - أيضاً - نفس الشيء أو أكثر . فقلت : كيف ؟