وأبو حنيفة أخذ عن جعفر الصادق ، وعلى هذا فكُلّهم تلاميذ لجعفر بن محمّد ، وهو أوّل من فتح جامعة إسلامية في مسجد جدّه رسول الله ، وقد تتلمذ على يديه أكثر من أربعة آلاف محدث وفقيه . وعجبت لهذا الصبيّ الذكيّ الذي يحفظ ما يقول مثل ما يحفظ أحدنا سورة من القرآن ، وقد أدهشني أكثر عندما كان يسرد عليّ بعض المصادر التاريخية التي يحفظ عدد أجزائها وأبوابها ، وقد استرسل معي في الحديث وكأنّه أستاذ يعلّم تلميذه . وشعرت بالضعف أمامه ، وتمنّيت لو أنّي خرجت مع صديقي ولم أبق مع الصبيان ، فما سألني أحدهم عن شيء يخصّ الفقه أو التاريخ إلاّ وعجزت عن الجواب . سألني : من أقلّد من الأئمة ؟ قلت : الإمام مالك ! قال : كيف تقلد ميتاً بينك وبينه أربعة عشر قرناً ، فإذا أردت أن تسأله الآن عن مسألة مستحدثة فهل يجيبك ؟ فكّرت قليلا وقلت : وأنت جعفرك مات أيضاً منذ أربعة عشر قرناً فمن تقلّد ؟ أجاب بسرعة هو والباقون من الصبية : نحن نقلّد السيّد الخوئي فهو إمامنا . ولم أفهم أكان الخوئي أعلم أم جعفر الصادق ، وبقيت معهم أحاول تغيير الموضوع ، فكنت أسألهم عن أيّ شيء يلهيهم عن مسألتي ، فسألتهم عن عدد سكّان النجف ؟ وكم تبعد النجف عن بغداد ؟ وهل يعرفون بلداناً أُخرى غير العراق ؟ وكلّما أجابوا أعددت لهم سؤالا غيره حتّى أشغلهم عن سؤالي لأنّي عجزت وشعرت بالقصور ، ولكن هيهات أن أعترف لهم وإن كنت في داخلي