عند ذلك قام وأخرج من مكتبته صحيح البخاري وفتحه وبحث عن الصفحة التي يريدها ، وأعطاني لأقرأ فيه : حدثنا فلان عن فلان عن علي ( عليه السلام ) " ، ولم أصدّق عينيّ واستغربت حتّى أنني شككت أن يكون ذلك هو صحيح البخاري ، واضطربت وأعدت النظر في الصفحة وفي الغلاف ، ولما أحسّ صديقي بشكّي أخذ منّي الكتاب وأُخرج لي صفحة أخرى فيها : " حدثنا علي ابن الحسين ( عليهما السلام ) " فما كان جوابي بعدها إلاّ أن قلت : سبحان الله ! واقتنع منّي بهذا الجواب وتركني وخرج . وبقيت أفكّر وأراجع قراءة تلك الصفحات وأتثبّت في طبعة الكتاب ، فوجدتها من طبع ونشر شركة الحلبي وأولاده بمصر . يا إلهي ! لماذا أكابر وأعاند وقد أعطاني حجّة ملموسة من أصحّ الكتب عندنا ، والبخاري ليس شيعيا قطعاً ، وهو من أئمة أهل السنّة ومحدّثيهم ، أأسلم لهم بهذه الحقيقة وهي قولهم علي ( عليه السلام ) ، ولكن أخاف من هذه الحقيقة فلعلّها تتبعها حقائق أخرى لا أحبّ الاعتراف بها ؟ ! وقد انهزمت أمام صديقي مرّتين ، فقد تنازلت عن قداسة عبد القادر الجيلاني ، وسلّمت بأنّ موسى الكاظم أولى منه ، وسلّمت أيضاً بأنّ علّياً ( عليه السلام ) هو أهل لذلك ، ولكنّي لا أُريد هزيمة أُخرى ، وأنا الذي كنت منذ أيّام قلائل عالماً في مصر ، أفخر بنفسي ويمجّدني علماء الأزهر الشريف ، أجد نفسي اليوم مهزوماً مغلوباً ومع من ؟ مع الذين كنت ولا أزال أعتقد أنّهم على خطأ ، فقد تعوّدت على أنّ كلمة ( شيعة ) هي مسبّة . إنّه الكبرياء وحب الذات . . إنّها الأنانيّة واللجاج والعصبيّة . . إلهي ألهمني رشدي ، وأعنّي على تقبّل الحقيقة ولو كانت مرّة . .