responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ثم اهتديت ( محققة ) نویسنده : الدكتور محمد التيجاني    جلد : 1  صفحه : 276


بدون معان ، وحاولت مراراً عديدة دراسة التاريخ الإسلامي ، ولكن لم تتوفّر عندي المصادر والإمكانات لتوفير الكتب ، وما وجدت أحداً من شيوخنا وعلمائنا يهتمّ بها ، وكأنّهم تصافقوا على طيّها وعدم النظر فيها ، فلا تجد أحداً يملك كتاباً تاريخياً كاملا .
فلمّا سألني صديقي عن معرفة التاريخ أحببت معاندته فأجبته ب‌ ( نعم ) ولسان حالي يقول : أعرف أنّه تاريخ مظلم مسود لا فائدة فيه إلاّ الفتن والأحقاد والتناقضات .
قال : هل تعرف متى ولد عبد القادر الجيلاني ، في أي عصر ؟
قلت : حسب التقريب في القرن السادس أو القرن السابع .
قال : فكم بينه وبين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟
قلت : ستة قرون .
قال : فإذا كان القرن فيه جيلان على أقل تقدير ، فيكون نسبة عبد القادر الجيلاني للرسول بعد اثني عشر جداً .
قلت : نعم قال : فهذا موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن فاطمة الزهراء يصل نسبه إلى جدّه رسول الله بعد أربعة أجداد فقط . أو بالأحرى فهو من مواليد القرن الثاني للهجرة ، فأيّهما أقرب إلى رسول الله موسى أم عبد القادر ؟ [1]



[1] إنَّ المطالع لكتب الوهابية أدنى مطالعة يلحظ فيها عقدة ( القبور ) ، ( التوسل ) بالأنبياء والصالحين ، وكأن أمهاتهم ولدنهم في مقبرة بحيث أصبح الكلام عن القبر ( العقدة المستعصية ) ديدنهم ، وتصوروا أنّ التوحيد كاملاً ينحصر في القبور والابتعاد عنها ، وأنّ الرسالة الإسلامية التي جاءت للبشرية جمعاء ، ولتظهر دقائق العقول وتنير للانسان طريقه . . هذه الرسالة العظيمة منحصرة بقبر ، وأن من ابتعد عن القبر فهمها ودخل في زمرة المؤمنين ومن دنا من قبر فهو خارج عن الدين جاهل بتعاليم الإسلام العظيم ! ! فأصبح القبر عندهم عنواناً عاماً يطلقونه على غيرهم فيسمونهم ( القبورية ) ، وألقوا الكتب والمقالات تحت عناوين الرد على القبورية وبيان عقائدهم وما إلى ذلك مما يفهمه القارئ . . وضاعت رسالة السماء العظيمة النيرة والتي تحمل تعاليم جهة من ناحية الفكر وبيان صفات الله سبحانه وتعالى والكون والعوالم التي تحيط به . . وما هنالك من أخلاق وتعاليم لاستخلاص النفس الإنسانية والرقي بها إلى الأعلى ، من نظم اقتصادية وسياسية واجتماعية ومدنية يحملها الإسلام وبينها للأمة بأوجز بيان وبأجلى برهان ، وما إلى هنالك الكثير من غيرها الذي لا تسعه بيان عناوينه هذه الأسطر . . كلّ ذلك أغفلوه عن حياة المسلم وشطبوه من قاموسه الذي يعيش فيه وذهبوا به إلى المقبّرة التي تحكم إسلامه من كفره ، أو قل كما يقولون ( اسلامه ) من ( قبوريته ) ! ! فصار القبر عنواناً بدل كلمة التوحيد وبدل التصديق بالرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) ، وبتعاليم الإسلام الرصينة ، وصارت المقبرة شعاراً بدل التنقيب عن تعاليم الإسلام وبثها بين الشعوب والأُمم . . فالقبر أخذ الجزء الأكبر من تعاليم محمّد بن عبد الوهاب ، فتجد القبر أمامك في كُلّ كتبه من كتاب التوحيد إلى كشف الشبهات إلى سيرة الرسول إلى التفسير وإلى بقية كتبه ، والقارئ لها يشهد وجود أزمة نفسية عند هذا الإنسان مع القبر . جاءوا إلى التوحيد فقسموه إلى توحيد أُلوهية وربوبية وعبودية ، ثمّ حصروا توحيد العبودية بالقبر والتوسل بالأنبياء والصالحين ، فمن فعل ذلك فهو عار عن التوحيد عموماً ومن لم يفعله داخل في زمرة الموحدين الأبرار الأتقياء ! ! ولأجل كلّ ذلك وغيره تجدهم دائماً يفسقون الطوائف الأخرى ويخرجونها عن الملة والإسلام ولا يرون مسلماً إلاّ من كان على عقيدتهم ، واعتقد بما سطروا ، مما سموه عقيدة حتّى قال قائل منهم : " إنّ سلفنا من الحنابلة كانوا أشد من غيرهم من المذاهب السنية في التكفير والتبديع والافتاء بقتل الخصوم " قراءة في كتب العقائد : 22 . وهكذا انطلقت الوهابية من القبر - وان زعمت أنّها انطلقت من التوحيد وسمته توحيد العبودية لكن في الحقيقية حصرته بالقبر - لتبني عليه بنيانها المتلاحق من رسم صورة الإسلام وتعاليمه العظيمة بقبر لا يتجاوز طوله المتر وعرضه نصف المتر ، فلذلك لا يستغرب من بُعدِ الناس عن الإسلام وعدم إيمانهم به ، بل والاعراض عنه بالكلية إذا كانت الصورة التي يأخذونها عن الإسلام هي صورة التوحيد القبوري ، وربط فكر الإسلام بقبر محدود ، وعلى أساسه بُنيت التعاليم وأسس الاجتماع وما إلى ذلك . . والخلاصة : إنّ الرسالة السماوية التي جاء بها النبي ( صلى الله عليه وآله ) والتي لخصها ذلك الصحابي الجليل عندما سئل عن خلاصة رسالته وما هدفها ؟ فقال : " جئنا لنخرج الناس من عبودية العباد إلى عبودية الله سبحانه وتعالى " ، هذه المقولة العظيمة التي تلخص أهداف الإسلام والقرآن العظيم ، وهو الانطلاق بالإنسان إلى ذروة الكمال والتمام ، واستخراج مكنون العقل ودفائنه ، ورسم صورة للحياة يفهم الإنسان من خلالها موقعه في هذا الكون ، ويفهم موقعه بالقياس إلى ما حوله ، وكيف يتعامل مع من سواه على المستوى الفردي والجماعي . . أقول هذه المقولة العظيمة اختزلها محمّد بن عبد الوهاب وأنزلها من تلك المنزلة الرفيعة والمقام السامي ليدفنها في قبر وأحجار محدودة المكان والزمان ، ويوسدها بداخله ويقرأ عليها تراتيل العزاء ، ثمّ يقول : إنه هو التوحيد الراسخ والايمان الخالص ، من عرفه أصبح من زمرة المسلمين ومن جهله أو جحده فعليه اللعنة إلى يوم الدين ! ! فعلى الدين الإسلامي لتذرف الدموع ، ولتبكي البواكي ، وتندبه النوائح إذا أصبح بيد محمّد بن عبد الوهاب واتباعه ، الذين حصروه بحجر ضيق لا يغني ولا يسمن ، ولا مدخل له في دين الله سبحانه وتعالى . . . وأما كلام المؤلف حول هذا الموضوع ، وأنّ الوهابية ينكرون كرامات الأولياء فالكلام فيه واضح من أوله إلى آخره ، حيث إنّ الوهابية تعادي القبر وتجعله الشرك الأكبر الذي ليس بعده حيلة ، وأنّ من دخل إلى قبر من قبور الأولياء وتوسل به ودعا الله بحضرته فهو مشرك بشرك كبير يخرجه عن الملة . وهذا ما عناه المؤلف بكلامه ، واليك شزرٌ من كلمات محمّد بن عبد الوهاب وهو يكفر من يدعو عند الأولياء ويزور قبورهم : 1 - قال : " . . . فنحن نعلم بالضرورة أنَّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يشرع لأمته أن يدعو أحداً من الأموات ، لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم ، بل نعلم أنّه نهى عن هذه الأُمور كُلّها وأن ذلك من الشرك الأكبر . . " مجموع مؤلفات الشيخ محمّد بن عبد الوهاب ، الرسائل الشخصية : 105 . 2 - قال : " . . فأخبر سبحانه أنّه لا يرضى من الدين إلاّ ما كان خالصاً لوجهه ، وأخبر أنّ المشركين يدعون الملائكة والأنبياء والصالحين ليقربوهم إلى الله زلفى ويشفعوا لهم عنده ، وأخبر أنّه لا يهدي من هو كاذب كفار . . . وأما ما صدر من سؤال الأنبياء والأولياء الشفاعة بعد موتهم وتعظيم قبورهم ببناء القباب عليها والسراج والصلاة عندها واتخاذها أعياداً ، وجعل السدنة والنذور لها ، فكُلّ ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بوقوعها النبي ( صلى الله عليه وآله ) وحذر منها كما في الحديث عنه ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : " لا تقوم الساعة حتّى يلحق حي من أُمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أُمتي الأوثان " . . " المصدر السابق : 112 - 113 . 3 - وقال : " وصار ناس من الضالين يدعون أناساً من الصالحين في الشدة والرخاء مثل عبد القادر الجيلاني وأحمد البدوي ، وعدي بن مسافر وأمثالهم من أهل العبادة والصلاح ; صاح عليهم أهل العلم من جميع الطوائف . . وبين أهل العلم أنّ هذا هو الشرك الأكيد . . " المصدر السابق : 151 - 152 . 4 - قال في كتابه كشف الشبهات : 49 : " اعلم - رحمك الله - أن التوحيد هو إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة . وهو دين الرسل الذي أرسلهم الله به إلى عباده ، فأولهم نوح ( عليه السلام ) أرسله الله إلى قومه لما غلوا في الصالحين ، وداً وسواعاً ، ويغوث ، ويعوق ، ونسراً . وآخر الرسل محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ، وهو الذي كسر صور هؤلاء الصالحين ، أرسله الله إلى أُناس يتعبدون ، ويحجون ، ويتصدقون ، ويذكرون الله ولكنهم يجعلون بعض المخلوقين وسائط بينهم وبين الله عزّ وجلّ يقولون : نريد منهم التقرب إلى الله تعالى ، ونريد شفاعتهم عنده ، مثل الملائكة وعيسى ، ومريم ، وأُناس غيرهم من الصالحين . فبعث الله تعالى محمّداً ( صلى الله عليه وآله ) يجدد لهم دينهم ، دين أبيهم إبراهيم ، ويخبرهم أنّ هذا التقرب والاعتقاد محض حقّ الله تعالى لا يصلح منه شيء لغيره ، لا لملك مقرب ولا نبي مرسل ، فضلاً عن غيرهما . وإلاّ فهؤلاء المشركون يشهدون أنّ الله هو الخالق وحده لا شريك له ، وأنّه لا يرزق إلاّ هو ، ولا يحيي ولا يميت إلاّ هو ، ولا يدير الأمر إلاّ هو . . إذا تحققت أنّهم مقرون بهذا ، وأنّه لم يدخلهم في التوحيد الذي دعت إليه الرسل ودعاهم إليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعرفت أنّ التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة الذي يسمّيه المشركون في زماننا الاعتقاد . . . " . إلى غير ذلك من الكلمات الكثيرة التي لا تخلو منها رسالة من رسائله الشخصية من تكفير وتبديع من يزور القبور ويصلي فيها ويدعو الله عندها ، ويتبرك بآثار الأنبياء والصالحين . فلا داعي للتهويل على المؤلف ومحاولة الاغماض عمّا ذكره سابقاً ولاحقاً على هذه الكلمة من أنّ محمّد بن عبد الوهاب وأنصاره يكفرون من يدعو الله عند الأولياء ويزور قبورهم ويتبرك بهم لما لهم من المقام القربى من الله سبحانه وتعالى . وأما أنّ الزائر لقبر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو الولي يعتقد فيه أنّه شريك لله سبحانه وتعالى وأنّه واسطته بينه وبين الله تعالى فهذا كلام عار عن الصحة تماماً وخال عن أي مستند إلاّ ما يوجد في ذهن محمّد بن عبد الوهاب وأنصاره ، وله بحث في موضعه المخصوص فلا نطيل الكلام حوله .

276

نام کتاب : ثم اهتديت ( محققة ) نویسنده : الدكتور محمد التيجاني    جلد : 1  صفحه : 276
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست