responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ثم اهتديت ( محققة ) نویسنده : الدكتور محمد التيجاني    جلد : 1  صفحه : 264


قال : سبحان الله ! أنتم إخواننا أهل السنة والجماعة تركتم اللبّ وتمسّكتم بالقشور .
قلت غاضباً منقبضاً : كيف تمسّكنا بالقشور وتركنا اللب ؟
فهدّأني وقال : يا أخي ، أنت منذ دخلت العراق لا تفتأ تذكر عبد القادر الجيلاني ، فمن هو عبد القادر الجيلاني الذي استوجب كُلّ اهتمامك ؟ !
أجبت على الفور وبكُلّ فخر : هو من ذرية الرسول ، ولو كان نبيّ بعد محمّد لكان عبد القادر الجيلاني رضي الله تعالى عنه .
قال : يا أخ السّماوي ، هل تعرف التاريخ الإسلامي ؟
وأجبت في غير تردد بنعم ، وفي الحقيقة ما عرفت من التاريخ الإسلامي قليلا ولا كثيراً ، لأنّ أساتذتنا ومعلمينا كانوا يمنعوننا من ذلك ، مدّعين بأنّه تاريخ أسود مظلم لا فائدة من قراءته [1] .



[1] لا شكّ في أن الدين الإسلامي دين متكامل من جميع الجوانب والجهات ، يحمل في جوانبه جميع حاجات البشرية من خير ، وجاء مخرجاً لها من الظلمات إلى النور وآخذاً بيدها إلى أسمى درجات الكمال التي تدركه وما لم تدركه إلى غير ذلك ممّا هو معروف ومسطور في كتابات المسلمين . وأما التاريخ الإسلامي أو بعبارة أدق التمثيل العملي لهذا الدين العظيم على المسرح الخارجي ففيه هنات كبيرة ، وصفحات سوداء غير قليلة ، فباستثناء فترة وجود النبي ( صلى الله عليه وآله ) الذي أشرقت الأرض بنوره ، والعدل والمساواة تحت سلطانه ، وظهرت الإنسانية بأجلى معناها ببركة تعاليمه وحضوره ، وضرب أروع مثال في قيادة الأُمة قيادة حكيمة ومتقنة أحكمت الكيان الفردي والاجتماعي للناس . . فباستثناء هذه الفترة الزمنية المشرقة من التاريخ الإسلامي ، وبمجرد رحيله منها ( صلى الله عليه وآله ) نجد أنّ الأمر تغيّر تماماً ، وأخذ هذا النمو والنضوج والصفحات المشرقة في التاريخ الإسلامي بالإنحسار ، وبدأت الظلمة ترد عليه شيئاً فشيئاً ، بعد أن نحّي أهل البيت ( عليهم السلام ) عن قيادة الأُمة والأخذ بيدها في تكميل المشروع النبوي الشريف ، فأخذ الإنسان الحرّ يقتل من دون ذنب ، وأخذت المسلمة تسبى بعدما كانت معززة مكرمة ، وأخذت الأموال تنتهب والحقوق تبتز بعدما كانت مصونة ، وما سبب ذلك إلاّ لأن صاحبها محّباً لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، بل وتعدى الأمر إلى أبعد من ذلك فعومل أهل البيت معاملة المعارض الذي يجب القضاء عليه وعلى كلّ من يحنو عليه ، ووقعت على أثر ذلك واقعة كربلاء وقتل الحسين صلوات الله عليه ، ثمّ وقعة الحرة . . . وهكذا استمر القتل والتشريد وهتك الأعراض وغير ذلك في ربوع دولة المسلمين وعلى رأسها حكام بني أُمية الطلقاء ، والذي أوريه النبي ( صلى الله عليه وآله ) في المنام ، وأنّهم نزوا على منبره الشريف نزو القردة كما ذكره الحاكم في مستدركه 4 : 480 مصححاً له وتعقبه الذهبي وحكم بصحته ، مسند أبي يعلى 11 : 348 وصححه محققه الشيخ سليم أسد . ثمّ جاء بعدهم بنو العباس فأسرفوا في القتل وابتزاز حقوق الآخرين وإقصاء أهل البيت عن مكانتهم ، بل وأولعوا فيهم سجناً وقتلاً وتشريداً . . وهكذا استمر تاريخ المسلمين إلى يومنا هذا الذي لم يبق فيه من الإسلام إلاّ اسمه ، ومن معالمه إلاّ الرسوم ، وأما تعاليمه فأصبحت في خبر كان بالنسبة للحاكم وأغلب المحكومين . وهذا الكلام يقرّ به كلّ إنسان مسلم يقرأ بتبصر وتمعن تاريخ المسلمين وما جرت فيه من أحداث ، وان حاول الوهابية اخفاء ذلك واظهار التاريخ الإسلامي بمظهر الجوهرة المضيئة التي كلّ من لمسها ازدادت توهجاً ، ولكن الحقيقة غير ذلك فهم يقولون ذلك خوفاً من أن يراجع الإنسان تاريخه ، ويكتشف وهن القواعد التي بنوا عليها دينهم ، وأسسوا عليها بنيانهم ، فينهدم البنيان بعد انهدام الأساس ; وسبب ذلك أن أوّل مأساة ، وأوّل نقطة سودت صفحات التاريخ هي أفعال بعض الصحابة الشنيعة كعمر بن الخطاب ، وأبو بكر ، وعثمان بن عفان ، وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ، وخالد بن الوليد ، ومعاوية بن أبي سفيان ، ومعاوية بن حديج ، وغيرهم الكثير ، فإذا عرف المسلم ذلك انهدمت قاعدتهم التي أسسوها من عدالة عموم الصحابة ، بل وسيعرف قبله حديث الثقلين الذي بيّنه النبي ( صلى الله عليه وآله ) للأمة ، ورسم فيه معالم طريقها حينما جعل هداية الأمة مرتبطة بالرجوع إلى القرآن وأهل البيت ( عليهم السلام ) فإذا عرفه عرف بعد ذلك أنّ الطريق من غير أهل البيت ( عليهم السلام ) غير صحيح وغير موصل إلى الله سبحانه وتعالى ، وبالتالي تبطل المذاهب والقواعد والصروح التي بنوها واتبعوها ; فلأجل ذلك وغيره لا يقبلون مطالعة التاريخ أو الكلام حوله أو ذكر صفحاته السوداء . ويتضح ذلك جلياً للقارئ إذا رجع إلى كتاب كشف الجاني : 52 حيث سعى فيه جاهداً إلى ابراز أنّ صفحات التاريخ مشرقة ، وأنّ الشيعة هم الذين يسعون إلى تشويهها ! ! لأنّهم دائماً يتآمرون ضد المسلمين - حسب زعمه - ، وذكر تأييداً لكلامه حادثة قتل الخليفة العبّاسي على يد التتار وكيف أنّ بعض الشيعة كنصير الدين الطوسي وابن العلقمي كان لهما اليد الطولى في التآمر على المسلمين وخليفتهم وبالتالي معاونة المشركين على المسلمين ! ! ونحن نعذر عثمان الخميس في فريته هذه ، إذ لاحظنا كثرة تخبطه في علم الحديث مع ادعائه التخصص به فكيف لا يكون متخبطاً في غيره في مسألة تاريخية كهذه ! ! وهذه التهمة الشنيعة ضد الشيعة أوّل من قال بها ابن تيمية الحراني الذي ولد بعد الحادثة بخمس سنين ، إذ كانت الحادثة سنة 656 ، وابن تيمية ولد سنة 661 في حران ، فلم يشهد الواقعة ، ولم يكن من أهل بغداد ، والذين عاصروا الواقعة في بغداد من علماء السنة لم يذكروا لنصير الدين الطوسي أي دور له في احتلال التتر لبغداد ، فهذا ابن الفوطي الحنبلي صاحب كتاب ( الحوادث الجامعة ) ، وهو ممّن أُسر في واقعة بغداد ، وقد ترجمه الذهبي وابن كثير وأطروا عليه كثيراً ، فهذا العالم المعاصر للواقعة والمعاصر لنصير الدين الطوسي لم يذكر شيئاً عن تواطئ نصير الدين مع التتر في غزو بغداد . وكذلك مؤرخ آخر وهو ابن الطقطقي المولود سنة 660 يروي حوادث الواقعة ولا يذكر نصير الدين الطوسي فيها ، وكذلك أبو الفداء في تاريخه يذكر الحادثة ولا يذكر لنصير الدين الطوسي دوراً فيها ، وكذلك الذهبي في كتابه العبر 3 : 277 لم يذكر لنصير الدين أيّ دور في الواقعة . فهذه التهمة لنصير الدين لفقها ابن تيمية من عنده بدون أي مستند ولا دليل ، وما ذنبه إلاّ لأنّه شيعي أقام أدلة عقلية على ثبوت النصّ لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وقد نقلها عنه العلامة الحلي في كتابه منهاج الكرامة والذي رد عليه ابن تيمية في كتاب سمّاه منهاج السنة ، فلذلك نقم عليه ابن تيمية ولفق عليه هذه التهمة . والذي يدل على أن التاريخ الإسلامي فيه صفحات سوداء كثيرة خلافة هذا الخليفة العباسي الذي يدافع عنه عثمان الخميس ، فقد كانت الشيعة تذبح في زمنه على يد ابنه ووزيره الدوادار بلا ذنب سوى أنّهم شيعة لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، قال أبي الفداء في تاريخه 2 : 302 : " في أوّل هذه السنة ( سنة 656 ) قصد هولاكو ملك التتر بغداد وملكها في العشرين من المحرّم ، وقتل الخليفة المستعصم بالله ، وسبب ذلك أنّ وزير الخليفة مؤيد الدين كان رافضياً ، وكان أهل الكرخ أيضاً روافض ، فجرت فتنة بين السنة والشيعة ببغداد على جاري عادتهم فأمر أبو بكر بن الخليفة ، وركن الدين الدوادار العسكر ، فنهبوا الكرخ وهتكوا النساء ، وركبوا منهن الفواحش . . " . فهذه نساء شيعيات يقتل رجالهن ثُمّ تُهتك أعراضهن بأمر ابن الخليفة المسمى ( المعتصم بالله ) ، فهل هذه صفحة مشرقة من صفحات تاريخ الإسلام ؟ ! ! ولنلاحظ صورة مقتضبة للتاريخ الاسلامي بعد رحيل الرسول محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، وما جرى فيها : أوّل ما فوجئ به المسلمون إبّان مرض النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلم الذي ارتحل فيه إلى الرفيق الأعلى أنّ وجه بالافتراء عليه والقول بأنّه يهجر ، أو غلبه الوجع ، والقائل بذلك هو عمر بن الخطاب كما في مسند أحمد 1 : 325 ، صحيح البخاري 5 : 138 ، فبدأت حركة التغيير في المسيرة النبوية والتاريخ الاسلامي يومئذ ، لأنّ هذه الكلمة أوجدت الاختلاف بين المسلمين وكادوا أن يتقاتلوا ، واختلاف المهاجرون والأنصار ، ثُمّ اختلاف الأنصار فيما بينهم ، وبرزت الإحن والنزعات القومية حتّى كاد أن ينسى الاسلام بتاتاً ، وقد وقف من السقيفة موقف المعارض بنو هاشم عموماً وعلى رأسهم وعميدهم علي ابن أبي طالب ( عليه السلام ) وجماعة كبيرة من الأنصار ومن المهاجرين ، متمسكين بوصيّة النبيّ الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) في بيعة علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) كما أخرج ذلك الطبري 3 : 443 ، وابن الأثير في الكامل في التاريخ 2 : 325 . ثُمّ قام أصحاب السقيفة بالانقضاض على معارضيهم ، فقاموا بالهجوم عليهم وضربهم ، وكان لبيت علي بن أبى طالب ( عليه السلام ) الحصة الكبرى من ذلك حينما جاؤوا إليه وهددوا فاطمة سلام اللّه عليها بانزال أقصى العقوبات إن لم يتفرق المعارضون عن بيتها كما أخرج ذلك ابن أبي شيبة في المصنف 8 : 573 وأبو الفداء 1 : 85 وغيرها من المصادر ، وقاموا بقتل سعد بن عبادة المعارض الأوّل للسقيفة زاعمين أن الجن قتلته كما في مصنف الصنعاني 3 : 597 وغيرها . وما إن قام أبو بكر حتّى أطلق قولته المدوية ليومنا ذا فقال : " وليتكم ولست بخيركم . . . وإنّ لي شيطاناً يعتريني ، فإذا غضبت فاجتنبوني " المصنف للصنعاني 11 : 336 ، تخريج الأحاديث والآثار 1 : 481 ، فقاد الأمة بضعفه وشيطانه قيادة ضعيفة هزيلة وبعيدة عن تعاليم الرسالة الاسلامية ، أما الضعف فقد كان عمر ابن الخطاب هو المدير للأمور في زمنه كما نصّ على ذلك ابن حجر العسقلاني في المقطع الذي نقله ، إذ جاء فيه : " جاء الأقرع بن حابس وعيينة ابن حصين إلى أبي بكر الصديق ( رضي الله عنه ) ، فقال : يا خليفة رسول اللّه ، إنّ عندنا أرضاً سبخة ليس فيها كلا ولا منفعة ، فإنَّ رأيت أن تقطعناها ! فأجابهما وكتب لهما ، وأشهد القوم ، وعمر ليس فيهم ، فانطلقا إلى عمر ليشهداه فيه فتناول الكتاب وتفل فيه ومحاه ، فتذمرا له وقالا له مقالة سيئة ، فقال : إنّ رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله ) كان يتألفكما والإسلام يومئذ قليل ، إنّ اللّه قد أعز الاسلام اذهبا فاجهدا علي جهدكما لا رعى اللّه عليكما إن رعيتما ، فأقبلا إلى أبي بكر وهما يتذمران ، فقالا : ما ندري واللّه أنت الخليفة أو عمر ؟ ! فقال : لا بل هو لو شاء كان ، فجاء عمر وهو مغضب حتّى وقف على أبي بكر فقال : أخبرني عن هذا الذي أقطعتهما أرض هي لك خاصّة أو للمسلمين عامة ؟ قال : بل للمسلمين عامّة ؟ قال : فما حملك على أن تخص بها هذين ؟ قال : استشرت الذين حولي فأشاروا عليّ بذلك ، وقد قلت لك إنّك أقوى عليها منّي فغلبتني " الإصابة 4 : 640 . فأبو بكر كان ضعيف الجانب باقراره وكلامه ، وكان المسيّس للدولة هو عمر بن الخطاب ، بحيث حتّى إقطاع قطعة أرض لم يكن أبو بكر يستطيع بتها إلاّ بموافقة عمر ، فضلاً عن المسائل الأكبر من ذلك . ثُمّ ولي الخلافة عمر بن الخطاب وكان كما يصفه ابن أبي الحديد بقوله : " كان عمر شديد الغلظة ، وعر الجانب ، خشن الملمس ، دائم العبوس . . " شرح نهج البلاغة 6 : 327 ، وقال في موطن آخر : " وكان سريعاً إلى المساءة ، كثير الجبة والشتم والسب لكُلّ أحد ، وقل أن يكون في الصحابة من سلم من معرّة لسانه أو يده ، ولذلك أبغضوه وملّوا أيّامه . . " شرح نهج البلاغة 20 : 21 فاستخدم العنف في حياته مع الصحابة فضلاً عن غيرهم ، وقام بمنع تدوين الحديث النبوي الشريف ، ايذاناً منه بالحرب على اللّه ورسوله ، وحرماناً للأمة من المفسرّ العظيم للقرآن وهو البيان النبوي الشريف . . فعاش المسلمون تحت وطئته وأحداثه المميزة التي أدخلها على الدين الاسلامي من صلاة التراويح ، ومنع متعة الحج ، ومتعة النساء . . . إلخ ممّا يطول الكلام حوله . وقد أعرب عنه الإمام علي ( عليه السلام ) وأوجز لنا رأيه فيه فقال في وصفه له على لسان عمر بن الخطاب : " فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً " صحيح مسلم 5 : 152 وفي مكان آخر يصفه بقوله : " آتينا ولا يأتنا معك أحد كراهية محضر عمر ابن الخطاب " صحيح مسلم 5 : 154 . وبينما كان عمر بن الخطاب بقول : " إنّ كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت . . ولكن وقى اللّه شرّها . . من بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا " صحيح البخاري 8 : 26 ، وإذا به يدلها إلى ستة أنفار ، ورجح كفة عبد الرحمن بن عوف ، وعبد الرحمن يميل إلى عثمان ، فكانت النتيجة خلافة عثمان التي أوقعت الأمة في متاهات وطامات ما زلنا ندفع ثمنها حتّى الآن . فعقد عبد الرحمن بن عوف الخلافة العثمانية ، فقام عثمان بمخالفة السنن والقوانين ، فأصدر مرسوماً بمنع الحديث ، وضرب الصحابة كعمار بن ياسر وعبد اللّه بن مسعود وغيرهم ، وحمل آل معيط على رقاب الناس ، وارجع الحكم بن أبي العاص طريد رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة بعد ما طرده النبيّ الأكرم ولعنه ومن في صلبه وسماه وزغاً ، وأغدق عليه بالأموال قال الذهبي في تاريخ الاسلام 3 : 365 في معرض كلامه عنه : " أسلم يوم الفتح وقدم المدينة ، فكان يفشي سرّ رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله ) فطرده وسبه وأرسله إلى بطن وج ، فلم يزل طريداً إلى أن ولي عثمان ، فأدخله المدينة ووصل رحمه وأعطاه مائة الف درهم " . وأعطى مروان خُمس أفريقيا ، وأعطى عبد اللّه بن خالد زوج ابنته ثلاثمائة قنطار ذهب . وولى الأمصار الفساق الفجار ، فولّى عبد اللّه بن أبي سرح أخاه لامه من الرضاعة وأعطاه ولاية مصر ، وعبد اللّه بن أبي سرح أسلم ثُمّ ارتد وأباح النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) دمه ، لكن عثمان استأمنه ، ولمّا أستخلف ولاه مصر . سير أعلام النبلاء 3 : 34 . واستعمل الوليد بن عقبة على الكوفة قال الذهبي في ترجمته في السير 3 : 413 : " وولي الكوفة لعثمان . . وكان سخياً ممدوحاً شاعراً ، وكان يشرب الخمر . . " ، وهو الذي نزل قرآن بفسقه قال ابن عبد البر في الاستيعاب 4 : 1553 : " ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أن قوله عز وجل : ( إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ ) نزلت في الوليد بن عقبة وحمى الحمى وفعل الأفاعيل ، ومن ثُمّ أولى بأموره إلى مروان بن الحكم حتّى أوقعه في الهاوية قال ابن كثير في البداية والنهاية 8 : 282 : " ومن تحت رأسه جرت قضية الدار ، وبسببه حصر عثمان بن عفان فيها " . ثُمّ ثار الصحابة ثورتهم المعروفة بقيادة عبد الرحمن بن عديس البلوي الصحابي الرضواني ، والجهجا الغفاري الصحابي الرضواني ، وطلحة بن عبيد من العشرة المبشرين بالجنّة ، وجبلة بن عمرو الساعدي ، وعمرو بن الحمق الخزاعي . . وغيرهم من الصحابة الأجلاء قادوا الثورة ضده إلى أن قتلوه في داره . ومن بعد مقتله قام باغية آل بني سفيان ، رافعاً قميص عثمان ومطالباً بالخلافة ، وقام معه أهل الشام ، فخرج على إمام زمانه الشرعي علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وحاربه وأثبت بغيه الذي أخبر عنه النبيّ الأكرم بقوله : " ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى اللّه ويدعونه إلى النار " صحيح البخاري 3 : 207 فأثبت بغيه ودعوته إلى النار بحربه التي طحنت الأخضر واليابس . ولمّا استولى على الحكم بعد مقتل الإمام علي ( عليه السلام ) أخذ بقتل الأبرياء العزل وسبي النساء المسلمات ، يقول المزي في تهذيب الكمال 4 : 64 : " أنّ معاوية ابن أبي سفيان أرسل بسر بن أبي أرطأة القرشي ثُمّ العامري في جيش من الشام حتّى قدم المدينة ، وعليها يومئذ أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري صاحب النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ، فهرب منه أبو أيوب إلى علي بالكوفة ، فصعد بسر منبر المدينة ، ولم يقاتله بها أحد ، فجعل ينادي : يا زريق ، يا نجار ، شيخ سمح عهدته هاهنا بالأمس - يعني عثمان . . - وجعل يقول : يا أهل المدينة ، واللّه لو لا ما عهد إلي أمير المؤمنين - يقصد معاوية - ما تركت بها محتلماً إلاّ قتلته . . وهدم بسر دوراً بالمدينة . . ثُمّ مضى إلى اليمن وعليها يومئذ عبيد الله بن العبّاس بن عبد المطلب ، عاملاً لعلي بن أبي طالب . . وكانت عائشة بنت عبد اللّه بن عبد المدان قد ولدت من عبيد اللّه غلامين من أحسن صبيان الناس أوضئه وأنظفه ، فذبحهما ذبحاً . . " . وجاء في الاستيعاب 1 : 161 : " أغار بسر بن أرطأة على همدان وسبى نساءهم ، فكان أوّل مسلمات سبين في الاسلام ، وقتل أحياء من بني سعد . حدّث أبو سلامة عن أبي الرباب وصاحب لهما أنّهما سمعا أبا ذر يدعو ويتعوذ في الصلاة صلاّها أطال قيامها وركوعها وسجودها . قال : فسألنا ، ممّ تعوذت ، وفيم دعوت ؟ فقال : تعوذت باللّه من يوم العورة . فقلنا : وما ذاك ؟ قال : أما يوم البلاء فتلتقي فتيان من المسلمين فيقتل بعضهم بعضاً . وأما يوم العورة فإنّ نساء من المسلمات ليسبين فيكشف عن سوقهن ، فأيتهن كانت أعظم ساقاً اشتريت على عظم ساقها ، فدعوت اللّه ألاّ يدركني هذا الزمان ، ولعلكما تدركانه . قالا : فقتل عثمان ، ثُمّ أرسل معاوية بسر بن أحمد بن أرطأة إلى اليمن فسبى نساء مسلمات فأقمن في السوق " . هذا فضلاً عما فعله بالمسلمين من الصحابة وغيرهم ، فقام بقتل عبد الرحمن ابن عديس البلوي الرضواني الذي تزعّم الحملة العسكرية ضد عثمان ، وبعدما استولى معاوية على الأمور هرب إلى فلسطين ، فقتلوه هناك . راجع الإصابة 4 : 282 . وقتل عمرو بن الحمق الخزاعي الذي شارك في الهجوم على عثمان وهو صحابي معروف مشهور ، وقطع رأسه وحمل ليكون أوّل رأس يحمل في الاسلام . راجع الإصابة 4 : 514 . وقام بحصار الأنصار ، وهم الصحابة الأجلاء ، اقتصادياً وسياسياً ، وقطع عنهم جميع الأشياء . راجع الإصابة 1 : 394 وإليك صورة مختصرة أخرى ينقلها ابن حجر في الإصابة 2 : 297 فيقول : " كان حميداً بليغاً اجتمعت عليه ربيعة بعد موت علي لمّا حلف معاوية أن يسبي ربيعة ، ويبيع ذراريهم لمسارعتهم إلى علي . فقال خالد : تمنى ابن حرب حلفة في نسائنا * ودون الذي ينوي سيوف قواضب سيوف نطاق والقناة فنستقي * سوء بعلها بعلاً وتبكي القرائب فهذا معاوية وهذه سيرته الموجزة في الدولة الاسلامية ، فأيّ صفحة بيضاء فيها ؟ وأي صورة ناصعة تحكيها ؟ ! ولمّا دق الموت إسفينه في معاوية بن أبي سفيان أدلى بالأمر إلى ابنه يزيد ، شارب الخمر ، اللاعب بالقرود ، المنتزي على الملك من غير حق شرعي ، ويحدثنا الذهبي بصورة موجزة عن يزيد فيقول : " كان ناصبياً ، فظاً غليظاً ، جلفاً ، يتناول المسكر ، ويفعل المنكر . افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين ، واختتمها بواقعة الحرة ، فمقته الناس ، ولم يبارك في عمره . . " سير أعلام النبلاء 4 : 37 . ويقول البلاذري في أنساب الاشراف 4 : 2 : " كان ليزيد بن معاوية قرد يجعله بين يديه ويكنيه أبا قيس ويقول : هذا شيخ من بني إسرائيل أصاب خطيئة فمسخ . وكان ليسقيه النبيذ ويضحك مما يصنع ، وكان يحمله على أتان وحشية ويرسلها مع الخيل . . " . هذا يزيد وهذا حاله فما هي الصفحة البيضاء في تاريخه ؟ ثُمّ ولي الخلافة مروان بن الحكم بن أبي العاص الذي طُرد أبيه من المدينة بأمر من النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ، وسماه الوزغ بن الوزغ ، وقال في حقه وبنيه : " إذا بلغ بنو العاص ثلاثين رجلاً اتخذوا دين اللّه دغلاً ، ومال اللّه دولاً ، وعباد اللّه خولاً " . المعجم الصغير 2 : 135 ، وجاء في الاستيعاب 3 : 1387 أن علياً نظر إلى مروان يوماً فقال : " ويلك وويل أمة محمّد منك ومن بنيك " . ولمّا ولي الخلافة أخذ بسب علي بن أبي طالب في كُلّ خطبة يخطبها . قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 2 : 376 : " في زمن مروان يتعمدون ترك سماع الخطبة لمّا فيها من سبّ من لا يستحق السب - وهو علي - ، والافراط في مدح بعض الناس - يعني معاوية . . " . وقد حرّض الناس في معركة الجمل ، ثُمّ قام بقتل طلحة بن عبيد قال ابن عبد البر في الاستيعاب 2 : 768 : " رمى مروان طلحة بسهم ، ثُمّ التفت إلى أبان بن عثمان فقال : قد كفيتك بعض قتلة أبيك " . علق الذهبي على ذلك في السير 1 : 36 بقوله : " قاتل طلحة في الوزر بمنزلة قاتل علي " ، أي مروان بمنزلة عبد الرحمن بن ملجم . فهذا مروان وهذا تاريخه فأي صفحة بيّض بها وجه التاريخ ؟ ! ثُمّ ولي الخلافة ابنه عبد الملك بن مروان ، وكان من ولاته الحجاج بن يوسف الثقفي الذي ضرب الكعبة بالمنجنيق ، وقتل الأبرياء ، واستأصل شأفة الناس العزل ، حتّى قال في حقه عمر بن عبد العزيز : لو جاءت كُلّ أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم . تهذيب التهذيب 2 : 185 . هذا الحجاج أوصى به عبد الملك ابنه فقال : " وانظر الحجاج فأكرمه ، فإنّه هو الذي وطأ لكم المنابر ، وهو سيفك يا وليد ، ويدك على من ناواك " تاريخ الاسلام 6 : 143 . فأين الصفحة البيضاء في تاريخ شخص يولي الحجاج بن يوسف ؟ ! ثُمّ ولي الخلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان الذي وصفه الذهبي بقوله في تاريخ الاسلام 6 : 500 : " وكان الوليد جباراً ظالماً " . وقال العبسي : " كان مولده سنة خمسين ، وكان أبواه يترفانه ، فشب بلا أدب ، وكان لا يحسن العربية ، وكان إذ مشى يتوكف في المشية - أي يتبختر . . . " البداية والنهاية 9 : 182 . وتولى الخلافة يزيد بن عبد الملك بن مروان ، ويكفي في تاريخه أن حريز بن عثمان الحربي الناصبي الموثق لدى علماء السنة قال : " هذا الذي يرويه الناس عن النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) أنّه قال لعلي : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى حق ، ولكن أخطأ السامع ! قلت : فما هو ؟ فقال : إنّما هو أنت منّي بمنزلة قارون من موسى . قلت : عمّن ترويه ؟ قال : سمعت الوليد بن عبد الملك يقوله وهو على المنبر " تهذيب التهذيب 2 : 209 . وفي سير أعلام النبلاء 2 : 160 عن الزهري قال : " قال : كنت عند الوليد فقال : الذي تولى كبره علي . فقلت : لا ، حدّثني سعيد وعروة وعلقمة وعبيد اللّه كُلّهم سمع عائشة تقول : إنّ الذي تولى كبره عبد اللّه بن أبي . . " . وفي سير أعلام النبلاء 4 : 9 عن الزهري قال : " كنت عند الوليد بن عبد الملك ، فكان يتناول عائشة رضي اللّه عنها " . وبعد هذا وذاك يرجعون ويقولون بأنّ الشيعة هم الذين يطعنون بعائشة ويرمونها بالأُفك ، وهذه الروايات تشهد بأنّ الصحابة هم الذين رموا عائشة بالأفك ، وأنّ هذا الخليفة يطعن بأُمه عائشة . وولي الخلافة هشام بن عبد الملك وقام في دولته بذبح زيد بن علي عليه السلام وشيعته ، وأخذ بتتبع المسلمين الشيعة تحت كُلّ حجر ومدر . ثُمّ ولي الخلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، قال عنه العيني في عمدة القارئ : " كان مشهوراً بالالحاد مبارزاً بالعناد " عمدة القارئ 22 : 212 . وقد أخبر عنه النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) فقال : " سميتموه بأسماء فراعنتكم ، ليكونن في هذه الأُمة رجل يقال له الوليد ، لهو شرّ على هذه الأمة من فرعون لقومه " مسند أحمد 1 : 18 . قال الأوزاعي : " فكانوا يرونه الوليد بن عبد الملك ، ثُمّ رأينا إنّه الوليد بن يزيد لفتنة الناس به حين خرجوا عليه فقتلوه ، وانفتحت الفتن على الأمة بسبب ذلك ، وكثر فيهم القتل " فتح الباري 10 : 478 . وولي بعده يزيد بن الوليد بن عبد الملك بعد أن ثار على الوليد وقتله ، قال اليعقوبي : " وكانت ولايته خمسة أشهر ، والفتنة في جميع الدنيا عامة ، حتّى قتل أهل مصر أميرهم حفص بن الوليد الحضرمي ، وقتل أهل حمص عاملهم عبد الله بن شجرة الكندي ، وأخرج أهل المدينة عاملهم عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز . وغلب على أمره يزيد بن خالد القسري ، وكان على شرطة يزيد بن الشماخ اللخمي . . وكان قدرياً . . " تاريخ اليعقوبي 2 : 335 . ثُمّ ملك إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك ، قال الزركلي في الاعلام 1 : 78 : " وكان ضعيفاً مغلوباً على أمره ، تارة يسلم عليه بالإمارة ، وتارة بالخلافة ، فمكث سبعين يوماً ، فثار عليه مروان بن محمّد بن مروان ، وكان والي آذربيجان ، ودعا لنفسه بالخلافة ، وقدم الشام ، فاختفى إبراهيم واستولى مروان ، فأمن إبراهيم فظهر وقد ضاعت خلافته ، وقتل مع من قتل من بني أمية حين زالت دولتهم " . ثُمّ ملك مروان بن محمّد بن مروان ، قال ابن حبان في الثقات 2 : 322 : " وكان يقال له بالحمار ، وإنّما عرف بالحمار لقلة عقله " . وقال الزركلي في الأعلام 7 : 208 : " فافتتح فتوحات وخاض حروباً كثيرة ، ولمّا قتل الوليد بن يزيد وظهر ضعف الدولة في الشام دعا الناس وهو بأرمينية إلى البيعة فبايعوه فيها . . " . إلى هنا تنتهي الدولة الأموية ، ورويت فيها بشكل مقتضب المحن والفتن والاضطرابات ، فأين الصفحة المشرقة في الدولة الأموية ؟ ! نترك الجواب الأموي العصر ، لعلهم يجدون حلاً لهذه الصفحات السوداء . ثُمّ شرعت دولة بني العبّاس وكان أوّل حاكم فيها أبي العبّاس السفاح قال الزركلي في الاعلام 4 : 116 : " أوّل خلفاء الدولة العباسية ، وأحد الجبارين الدهاة من ملوك العرب . . وكان شديد العقوبة ، عظيم الانتقام ، تتبع بقايا الأمويين بالقتل والصلب والاحراق حتّى لم يبق منهم غير الأطفال والجالين إلى الأندلس . ولقب بالسفاح لكثرة ما سفح من دمائهم . . " . ثُمّ ولي الخلافة من بعده أبو جعفر المنصور قال الذهبي في سير اعلام النبلاء 7 : 83 : " أباد جماعة كباراً حتّى توطد له الملك ، ودانت له الأمم على ظلم فيه ، وقوة نفس " .

264

نام کتاب : ثم اهتديت ( محققة ) نویسنده : الدكتور محمد التيجاني    جلد : 1  صفحه : 264
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست