ولمّا أنهيت كلامي سألني من جديد : أنت أستاذ تدرّس الطلاب ؟ قلت : نعم . قال : إذا كان تفكير الأساتذة بهذا الشكل ، فلا لوم على عامّة الناس الذين لا ثقافة لهم ! قلت : ماذا تقصد ؟ أجاب : عفواً ولكن من أين لك هذه الادعاءات الكاذبة ؟ قلت : من كتب التاريخ ، وممّا هو مشهور عند الناس كافّة . قال : لنترك الناس كافّة ، ولكن أيّ كتاب تاريخ قرأت ؟ بدأت أعدّد بعض الكتب ، مثل كتاب فجر الإسلام ، وضحى الإسلام ، وظهر الإسلام لأحمد أمين وغيرها . قال : ومتى كان أحمد أمين حجّة على الشيعة ؟ وأضاف : إنّ مقتضى العدل والموضوعيّة أن تتبيّن الأمر من مصادرهم الأصلية المعروفة . قلت : وكيف لي أن أتبيّن في أمر معروف لدى الخاصّ والعام ! قال : إنّ أحمد أمين نفسه زار العراق ، وكنت من بين الأساتذة الذين التقوا به في النجف ، وعندما عاتبناه على كتاباته عن الشيعة اعتذر قائلا : إنّي لا أعلم عنكم أيّ شيء ، وأنّي لم أتّصل بالشيعة من قبل ، وهذه أوّل مرة ألتقي فيها بالشيعة [1] .
[1] زار أحمد أمين العراق عام 1931 ، ويذكر رحلته هذه في كتابه : " حياتي : 227 " ، ويذكر أنّه زار قبر أبي حنيفة والإمام الكاظم والإمام الجواد ( عليهما السلام ) ، وزار النجف وكربلاء ، والتقى بعلماء الشيعة منهم الشيخ كاشف الغطاء ، حيث اعترض عليه الشيخ بأنّه عند حديثه عن الشيعة ينقل عن خصومهم ، وقال أيضاً في ص 230 : " والحقّ أنّي لا أحمل تعصّباً لسنة ولا شيعة ، ولقد نقدت من مذاهب أهل السنة ما لا يقل عن نقدي لمذهب الشيعة ، وأعليت من شأن المعتزلة بعد أن وضعهم السنيون في الدرك الأسفل " وعلى كلّ حال أثرت هذه السفرة في أحمد أمين ، ولذا لا نرى ذلك الهجوم على الشيعة في كتابه " ضحى الإسلام " بل حاول البحث عن الشيعة بموضوعية أكثر ، وإن لم يكن موفّقاً في ذلك .