وممّا زادني فخراً واعتزازاً بالنفس أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أذن لي في الدخول لرؤية مخلّفاته ، حسب ما ادّعاه المسؤول عن مسجد سيّدنا الحسين بالقاهرة ، وقد أدخلني منفرداً إلى حجرة لا تفتح إلاّ إذا فتحها هو ، وأغلق الباب خلفي ، وفتح الخزانة ، وأخرج لي قميص رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقبلته وأراني بعض المخلّفات الأُخرى ، وخرجت من عنده باكياً متأثراً على عناية الرسول بي شخصياً ، وخصوصاً أنّ هذا المسؤول لم يطلب منّي نقوداً ، بل امتنع وأخذ منّي شيئاً بسيطاً بعد إلحاحي ، وهنّأني مبشراً بأنّني من المقبولين عند حضرة الرسول الأكرم . وربما أثّر هذا الحادث في نفسي ، وجعلني أفكّر مليّاً عدّة ليال فيما يقوله الوهابيون : من أنّ الرسول مات وانتهى أمره كغيره من الأموات ، فلم أرتح لهذه الفكرة ، بل وتيقّنت تفاهة هذا الاعتقاد . فإذا كان الشهيد الذي يقتل في سبيل الله ، ليس بميّت بل هو حي يرزق عند ربّه ، فكيف بسيد الأوّلين والآخرين ، وزاد هذا الشعور قوّة ووضوحاً ما تلقيته في سابق حياتي من تعاليم الصوفية الذين يعطون لأوليائهم وشيوخهم صلاحية التصرف والتأثير في مجريات الأُمور ، ويعترفون بأنّ الله وحده هو الذي أعطاهم هذه الصلاحية ، لأنّهم أطاعوه سبحانه ورغبوا فيما عنده ، ألم يقل في حديث قدسي : " عبدي أطعني تكن مثلي تقل للشيء كن فيكون " [1] . بدأ الصراع الداخلي يتجاذبني ، وأنهيت إقامتي في مصر بعد أن قمتُ خلال الأيّام الأخيرة بزيارة المساجد المتعدّدة ، وصليت في جميعها من مالك لأبي حنيفة إلى مسجد الشافعي وأحمد بن حنبل ، ثُمّ إلى السيّدة زينب وسيّدنا الحسين ، كما زرت زاوية التيجانية ، ولي في ذلك حكايات طويلة يطول شرحها ، وقد رمت الاختصار .