responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ثم اهتديت ( محققة ) نویسنده : الدكتور محمد التيجاني    جلد : 1  صفحه : 222


حركات جنونية ، وترتفع الأصوات في نغمة منسّقة ، ولكنها مزعجة إلى أن يعود الهدوء بعد عناء وتعب بقصيدة ختامية للشيخ ، فيجلس الجميع بعد ما يكونوا قد قبّلوا رأس الشيخ وأكتافه بالتداول .
وقد شاركتهم بعض هذه الشطحات محاكياً لهم في غير قناعة منّي ، ووجدت نفسي متناقضاً مع العقيدة التي تبنيتها ، وهي عدم الإشراك أي عدم التوسّل بغير الله ، فسقطت على الأرض جاهشاً بالبكاء متحيّراً مشتتا بين تيّارين متناقضين ، تيار الصّوفية وهي أجواء روحية يعيشها الإنسان فتملأ أعماقه بشعور الرّهبة والزهد والتقرب إلى الله عن طريق أوليائه الصالحين وعباده العارفين ، وتيّار الوهّابية الذي علّمني أنّ ذلك كلّه شرك بالله ، والشرك لا يغفره الله .
وإذا كان محمّد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لا ينفع ولا يتوسّل به إليه سبحانه ، فما قيمة هؤلاء الأولياء والصالحين بعده ؟ !
وبالرغم من المنصب الجديد الذي نصّبني فيه الشيخ ، إذ أصبحت وكيله في قفصة ، لم أكن مقتنعاً كلّياً في داخلي ، وإن كنت أميل أحياناً إلى الطرق الصوفية ، وأشعر دائماً أنّي أكنّ لها احتراماً ومهابة من أجل أولياء الله والصالحين من عباده ، ولكنّي أكابر وأجادل محتجّاً بقوله تعالى : ( وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ ) [1] .
وإذا قال لي قائل بأنّ الله تعالى يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) ؟ [2] أردّ عليه بسرعة كما علمني علماء السعودية : " الوسيلة هي العمل الصالح " [3] ، والمهّم أنّني عشت تلك الفترة مضطرباً مشوش الفكر ، وقد يتوافد



[1] سورة القصص : 88 .
[2] سورة المائدة : 35 .
[3] من الأمور التي اختلف فيها الوهابية ( السلفية ) مع غيرهم - سواء شيعة أو سنة أو غيرهم - مسألة التوسل ، فقد ذهب الوهابية إلى عدم جواز التوسل بالذوات سواء كانت ذوات أنبياء أو صالحين أو غيرهم ، فإنّ الذات ليس لها من الأمر شيء ، ولا تختلف ذات عن ذات حتى يتوسل بأحدهما اللّه دون الأُخرى ، فالنبي - صلّى اللّه عليه وآله وسلم - كما يقول ابن تيمية لا تختلف ذاته عن ذات الملحد - والعياذ باللّه - ، وإنّما الاختلاف بالايمان والتقوى ، وعليه فلا يجوز التوسل والتقرب بنفس الذات إلى اللّه سبحانه وتعالى ما دامت بهذه الحالة . فعلى ذلك لا يجوز التوسل بذات النبيّ - صلّى اللّه عليه وآله وسلم - والتقرب بها إلى اللّه تعالى ، سواء كان النبيّ حيّاً أو ميتاً ، وسواء كان حاضراً أم غائباً ، فضلاً عن التوسل بذوات الأولياء والصالحين ، الأحياء والأموات ، الحاضرين والغائبين . هذا من جهة . ومن جانب آخر فإنّ التوسل اِنّما يصحّ بدعاء الأنبياء والأولياء والصالحين لا بذاتهم ، فكُلّ من أراد أن يتوسل بشخص غيره يتوسل بدعائه ، بطلب الدعاء منه ، سواء كان ذلك المتُوسل به نبيّاً أو وليّاً أو صالحاً وقاموا بتأويل كُلّ الآيات والروايات التي تنصّ على توسل بعض الصحابة بالنبي - صلّى اللّه عليه وآله وسلم - وببعض الصالحين في حياته وفى مماته على ضوء ما ينسجم والبيان المتقدم لهم في التوسل . وخلاصّة كلامهم أنّ التوسل بالذوات غير جائز مطلقاً ، والتوسل بالدعاء هو الجائز فقط ، وينحصر التوسل بالعمل وبدعاء الغير . وعلى ضوء ما تقدم أخذ السلفية بتقسيم التوسل إلى عدّة أقسام والاطناب فيه ، وخلصوا إلى النتيجة الآنفة ، وعطفوا عليها تبديع وتكفير غيرهم من عامّة المسلمين ، ممن يتوسلون بالنبيّ الأكرم - صلّى اللّه عليه وآله وسلم - حيّاً وميتاً ، بذواتهم المكرمة عند اللّه سبحانه وتعالى . وارجع فيما تقدم إلى كتاب التوسل لابن تيمية الحراني ، فإنّه أطنب في بيان مذهبه وخلص إلى ما تقدم ذكره . والنظر فيما ذكره ابن تيمية واتباعه يحكم علينا أن نرفض طرحه المتقدم جملة وتفصيلاً ، لأنّ ما ذكره مخالف للنصوص الشرعية ومخالف لسيرة الصحابة والسلف الصالح من الأمة الاسلامية المتبعة لنبيها عليه الصلاة ، وإن كان السلفية يكفرون جميع أمة محمّد من صوفية وقدرية وشيعة ، ويمدحون الخوارج الذين سمّاهم النبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه وآله وسلم بكلاب النار ; لأنّ الطيور على أشكالها تقع ، وارجع إلى كتاب كشف الشبهات لمحمّد بن عبد الوهاب لترى ذلك بأمّ عينيك . وأما النصوص الشرعية فهي : ما أخرجه الطبراني في معجمه الكبير 9 : 31 عن عثمان بن حنيف : " أنّ رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان ، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر إليه في حاجته ، فلقي عثمان بن حنيف فشكى إليه ذلك ، وقال : أئت الميضأة فتوضأ ثُمّ صلّى ركعتين ثُمّ قال : اللّهم إنّي أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمّد نبي الرحمة . يا محمّد ، إنّي أتوجه بك إلى ربى في حاجتي لتقضي لي ، ثُمّ روح حتّى أروح معك . فانطلق الرجل ففعل ما قال ، ثُمّ أتى باب عثمان ، فجاء البواب فأخذ بيده ، فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه على طنفسته ، فقال : ما حاجتك ؟ فذكر له حاجته ، فقضى له حاجته وقال : ما ذكرت حاجتك حتّى كانت هذه الساعة . ثُمّ خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال : جزاك اللّه خيراً ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلىّ حتّى كلمته فيّ . فقال عثمان بن حنيف : واللّه ما كلمته ، ولكن شهدت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم وقد أتاه ضرير فشكي إليه ذهاب بصره فقال : إن شئت صبرت وإن شئت دعوت لك ! قال : يا رسول اللّه ، إنّه شقّ علىّ ذهاب بصري ، وإنّه ليس لي قائد ! فقال : ائت الميضاة فتوضأ وصلّ ركعتين ثُمّ قل : اللهم إنّي أسألك . . فقال عثمان بن حنيف : ففعل الرجل ما قال ، فواللّه ما تفرقنا ولا طال بنا المجلس حتّى دخل علينا الرجل وقد أبصر كأنّه لم يكن به ضرّ قط " وقال عقيبه : " والحديث صحيح " . قال الحافظ تقي الدين السبكي في شفاء السقام 61 : " إنّ التوسل بالنبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم جائز في كُلّ حال ، قبل خلقه ، وبعد خلقه في مدّة حياته في الدنيا ، وبعد موته في مدّة البرزخ ، وبعد البعث في عرصات القيامة والجنّة وهو على ثلاثة أنواع : النوع الأوّل : أن يتوسل به ، بمعنى أنّ طالب الحاجة يسأل اللّه تعالى به أو بجاهه أو ببركته فيجوز ذلك في الأحوال الثلاثة ، وقد ورد في كُلّ منها خبر صحيح . أما الحالة الأولى قبل خلقه فيدل على ذلك آثار الأنبياء الماضين صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين اقتصرنا منها على ما تبين لنا صحته ، وهو ما رواه الحاكم أبو عبد اللّه بن البيع في المستدرك على الصحيحين أو أحدهما قال : أبو سعيد عمرو بن محمّد بن منصور المعدل ثنا أبو الحسن محمّد بن إسحاق ابن إبراهيم الحنظلي ، ثنا أبو الحارث عبد اللّه بن مسلم الفهري ، ثنا إسماعيل ابن مسلمة أنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن جدّه عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم : لمّا اعترف آدم عليه السلام بالخطيئة قال : يا ربّ ، أسألك بحقّ محمّد لما غفرت لي ، فقال اللّه يا آدم ، وكيف عرفت محمّداً ولم أخلقه ؟ ! قال : يا ربّ ، لأنك لمّا خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً : لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه ، فعرفت أنّك لم تضف إلى اسمك إلاّ أحب الخلق إليك ، فقال اللّه : صدقت يا آدم ، إنّه لأحب الخلق إليّ ، إذ سألتني بحقه فقد غفرت لك ، ولو لا محمّد ما خلقتك . قال الحاكم : هذا حديث صحيح الاسناد ، وهو أوّل حديث ذكرته لعبد الرحمن ابن زيد بن أسلم في هذا الكتاب . ورواه البيهقي أيضاً في دلائل النبوّة وقال : تفرد به عبد الرحمن ، وذكره الطبراني وزاد فيه : " وهو آخر الأنبياء من ذريتك " . وذكر الحاكم مع هذا الحديث أيضاً عن علي بن حمشاذ العدل ، ثنا هارون بن العبّاس الهاشمي ، ثنا جندل بن والق ، ثنا عمرو بن أوس الأنصاري ، ثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عبّاس قال : أوصى اللّه إلى عيسى عليه السلام : يا عيسى ، آمن بمحمّد وأمر من أدركته من أُمتك أن يؤمنوا به ، فلو لا محمّد ما خلقت آدم ، ولولاه ما خلقت الجنّة والنار ، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب ، فكتبت عليه : لا إله إلاّ اللّه فسكن . قال الحاكم : هذا حديث حسن صحيح الاسناد ولم يخرجاه ، انتهى ما قاله الحاكم . والحديث المذكور لم يقف عليه ابن تيمية بهذا الاسناد ، ولا بلغه أنّ الحاكم صححه ، فإنّه قال - أعني ابن تيمية - أما ما ذكروه في قصة آدم من توسله فليس له أصل ولا نقله أحدٌ عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلم باسناد يصلح للاعتماد عليه ولا للاعتبار ولا للاستشهاد ثُمّ ادعى ابن تيمية أنّه كذب . وأطال الكلام في ذلك جداً بما لا حاصل تحته بالوهم والتخرص ، ولو بلغه أنّ الحاكم صححه لمّا قال ذلك أو لتعرض للجواب عن وكأني به إن بلغه بعد ذلك يطعن في عبد الرحمن بن زيد بن اسلم راوي الحديث . ونحن نقول : قد اعتمدنا في تصحيحه على الحاكم . وأيضاً عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لا يبلغ في الضعف إلى الحدّ الذي ادعاه ، وكيف يحل لمسلم أن يتجاسر على منع هذا الأمر العظيم الذي لا يرده عقل ولا شرع ، وقد ورد فيه هذا الحديث . . " ثُمّ يقول السبكي : " وأما ما ورد من توسل نوح وإبراهيم وغيرهما من الأنبياء فذكره المفسرّون واكتفينا عنه بهذا الحديث ، بجودته وتصحيح الحاكم له ، لا فرق في هذا المعنى بين أن يعبر عنه بلفظ التوسل أو الاستغاثة أو التشفع أو التجوه . والداعي بالدعاء المذكور وما في معناه متوسل بالنبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم ; لأنه جعله وسيلة لإجابة الدعاء ، دعاءه ومستغيث به . . ومستشفع به ومتجوه به ومتوجه ، فانّ التجوه ، والتوجه راجعان إلى معنى واحد " . ذكر طائفة من العلماء الذين صرّحوا بجواز التوسل : 1 - الإمام أحمد بن حنبل : قال : " في الاستسقاء يتوسل بالنبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلم " دفع شبه التشبيه 1 : 115 . 2 - الإمام مالك بن أنس : فقد ذكر في المناظرة التي جرت بينه وبين أبي جعفر المنصور : " ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى اللّه تعالى إلى يوم القيامة " الشفا للقاضي عياض 2 : 41 . 3 - الإمام الشافعي : فقد ذكروا عنه أنّه قال : " إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجئ إلى قبره في كُلّ يوم - يعنى زائراً - ، فإذا عرضت في حاجة صلّيت ركعتين وجئت إلى قبره وسألت اللّه تعالى الحاجة عنده ، فما تبعد عنّي حتّى تقضى " تاريخ بغداد 1 : 135 ، حاشية رد المختار 1 : 59 وأضاف : " أنّ الشافعي صلّى الصبح عند قبره فلم يقنت ، فقيل له : لم ؟ قال : تأدباً مع صاحب هذا القبر " . 4 - ابن مفلح الحنبلي : فقد قال : " ويجوز التوسل بصالح ، وقيل : يستحب " الفروع 1 : 595 . 5 - البهوتي الحنبلي : فقد قال : " وقال السامري وصاحب التلخيص : لا بأس بالتوسل في الاستسقاء بالشيوخ والعلماء والمتقين وقال في المذهب : يجوز إن يستشفع إلى اللّه برجل صالح ، وقيل : يستحب " كشف القناع 2 : 78 . 6 - الشيخ علاء الدين المرادي الحنبلي : قال : " ومنها يجوز التوسل بالرجل الصالح على الصحيح من المذهب ، وقيل يستحب . قال الإمام أحمد للمروزي : يتوسل بالنبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم في دعائه ، وجزم به في المستوعب وغيره . . " الانصاف 2 : 456 . 7 - إبراهيم الحربي : قال : قبر معروف ، الترياق المجرب " تاريخ بغداد 1 : 134 وعلق عليه الذهبي في السير 9 : 343 : " يريد إجابة دعاء المضطر عنده ، لأن البقاع المباركة يستحب عندها الدعاء " 8 - ابن حبان البستي : قال في ترجمة علي بن موسى الرضا عليه السلام : " وقبره بسناباذ خارج النوقان مشهور يزار بجنب قبر الرشيد ، قد زرته مراراً كثيرة ، وما حلّت بي شدّة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر علي بن موسى الرضا صلوات اللّه على جده وعليه ودعوت اللّه اِزالتها عنّي إلا استجيب لي وزالت عنّي تلك الشدّة . وهذا شيء جربته مراراً فوجدته كذلك " الثقات 8 : 457 . 9 - أبو علي الخلال قال : " ما همني أمر فقصدت قبر موسي بن جعفر فتوسلت به إلا سهل اللّه تعالى لي ما أحب " تاريخ بغداد 1 : 132 . 11 - الفقيه أبو الحسين عبد اللّه بن محمّد : قال : " ما وقعت في ورطة قط ، ولا عرض لي أمر مهم فقصدت قبر أبي الوليد وتوسلت به إلى اللّه عزّ وجلّ إلا استجاب لي " الأنساب للسمعاني 4 : 471 . 12 - السمعاني صاحب الأنساب : قال في ترجمة إسحاق بن إبراهيم الأسفراييني : " والناس يتبركون به ويزورونه ، ويستجاب عنده الدعوة ، زرت قبره ، بأسفرايين . . " الأنساب 1 : 144 . إلى غير ذلك من الكلمات الكثيرة المصّرحة بالقول والفعل بجواز التوسل بالنبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلم وزيارة قبره والدعاء عنده ، وأنه باب اللّه الذي منه يؤتى ، وبالتوجه به يتقبل اللّه الاعمال والدعوات فرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم وأهل بيته والصالحين يجوز التوسل بهم والتقرب إلى اللّه تعالى بحبهم .

222

نام کتاب : ثم اهتديت ( محققة ) نویسنده : الدكتور محمد التيجاني    جلد : 1  صفحه : 222
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست