في حياتي طابعاً دينياً بقيت آثاره حتّى اليوم ، ذلك أنّي كُلّما اختلطت عليّ السبل أحسست بقوّة خارقة تشدّني وترجعني إلى الجادّة ، وكُلّما شعرت بضعف الشخصية وتفاهة الحياة رفعتني تلك الذكريات إلى أعلى الدرجات الروحية ، وأوقدت في ضميري شعلة الإيمان لتحمّل المسؤوليّة . وكأنّ تلك المسؤولية التي حمّلنيها والدي ، أو بالأحرى مؤدّبي لإمامة الجماعة في تلك السنّ المبكّرة جعلتني أشعر دائماً بأنّني مقصّر عن أن أكون في المستوى الذي أطمح إليه ، أو على الأقل المستوى الذي طلب منّي . لذلك قضيت طفولتي وشبابي في استقامة نسبيّة لا تخلو من لهو وعبث يسودهما في معظم الأحيان البراءة وحب الاطلاع والتقليد ، تحوطني العناية الإلهية لأكون متميزاً من بين إخوتي بالرصانة والهدوء وعدم الانزلاق في المعاصي والموبقات . ولا يفوتني أن أذكر أنّ والدتي - رحمها الله - كان لها الأثر الكبير في حياتي ، فقد فتحت عيني وهي تعلّمني قصار السور من القرآن الكريم ، كما تعلّمني الصلاة والطهارة ، وقد اعتنت بي عناية فائقة لأنّي ابنها الأوّل ، وهي ترى إلى جانبها في نفس البيت ضرّتها التي سبقتها منذ سنوات عديدة ولها من الأولاد من يقارب سنّها ، فكانت تتسلّى بتربيتي وتعليمي ، وكأنّها تتبارى في سباق مع ضّرتها وأبناء زوجها . كما أنّ اسم التيجاني الذي سمّتني به والدتي له ميزة خاصّة لدى عائلة السّماوي كُلّها التي اعتنقت الطريقة التيجانية وتبنّتها ، منذ أن زار أحد أبناء الشيخ سيّدي أحمد التيجاني مدينة قفصة قادماً من الجزائر ونزل في دار السماوي ، فاعتنق كثير من أهالي المدينة خصوصاً العائلات العلمية والثّرية هذه الطريقة الصوفية وروّجوا لها ، ومن أجل اسمي أصبحت محبوباً في دار