وكان يصلّي خلف الحجّاج الزنديق ، وخلْف واليه نجدة بن عامر رأس الخوارج ( 1 ) . ولا شكّ بأنّ عبد الله بن عمر اختار الصلاة وراء هؤلاء لأنّهم كانوا مشهورين بشتم ولعن علي بعد كلّ صلاة ، فكان ابن عمر يشفي غليله ، ويروي حقده الدّفين ، وهو يسمعُ ذلك فيرتاح قلبه ويهدأ روعه . ولذلك نجد مذهب « أهل السنّة والجماعة » يفتون بالصّلاة وراء البرّ والفاجر ، وراء المؤمن والفاسق ، وذلك استناداً لما فعله سيّدهم وفقيه مذهبهم عبد الله بن عمر في صلاته وراء الحجّاج الزنديق والخارجي نجدة بن عامر . أمّا ما قاله الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « يؤمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنّة ، فإن كانوا في السنّة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً » ( 2 ) فيضربُ به عرض الجدار . وليستْ هذه الخصال الأربعة : حفظ القرآن ، وحفظ السنّة ، وقدم الهجرة ، وقدم الإسلام ، ولا واحدة منهنّ توجد في هؤلاء الذين بايعهم ابن عمر وصلّى بإمامتهم ، لا معاوية ولا يزيد ، ولا مروان ولا الحجّاج ، ولا نجدة الخارجي . وهذه طبعاً من السنن النبويّة التي خالفها عبد الله بن عمر ، وضرب بها عرض الجدار ، وعمل بعكسها تماماً ، إذ أنّه ترك سيّد العترة الطاهرة علياً
1 - الطبقات الكبرى لابن سعد 4 : 110 ط ليدن ، والمحلّى لابن حزم 4 : 213 . 2 - صحيح مسلم 2 : 133 ( كتاب الطهارة باب من أحق بالإمامة ) ، سنن الترمذي 1 : 149 ، سنن أبي داود 1 : 140 .