ويقول ابن عساكر في تاريخه بعد ذكر من قتلهم الحجاج : ووجد في سجنه بعد موته ثمانون ألفاً منهم ثلاثون ألف امرأة ( 1 ) . وكان الحجّاج يشبّه نفسه بربّ العزّة والجلالة ، فإذا مرّ قرب السجن وسمع نداء المسجونين واستغاثتهم له يقول لهم : اخسأوا فيها ولا تكلّمون . هذا الحجّاج الذي تنبّأ به رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبل وفاته فقال : إنّ في ثقيف كذّاباً ومُبيراً . والغريب أنّ راوي هذا الحديث هو عبد الله بن عمر نفسه ( 2 ) ! نعم ، لقد ترك عبد الله بن عمر بيعة خير البشر بعد النبيّ ، ولم ينصره ولم يصلّ وراءه ، فأذلّه الله سبحانه وذهب إلى الحجّاج يقول : سمعتُ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : « مَنْ مات وليست في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية » . فاحتقره الحجّاج اللّعين وأعطاه رجله قائلا : إنّ يدي مشغولة ، فبايعه ( 3 ) .
1 - تاريخ ابن عساكر 12 : 185 ، البداية والنهاية 9 : 156 . وأضاف ابن كثير قائلا : ( قال الأصمعي : ثنا أبو صم ، عن عبّاد بن كثير ، عن قحدم قال : أطلق سليمان بن عبد الملك في غداة واحدة أحداً وثمانين ألف أسير كانوا في سجن الحجّاج ، وقيل إنه لبث في سجنه ثمانون ألفاً منهم ثلاثون ألف امرأة ، وعرضت السجون بعد الحجّاج فوجدوا فيها ثلاثة وثلاثين ألفاً لم يجب على أحد منهم قطع ولا صلب . . ) . 2 - مسند أحمد 2 : 87 ، 91 ، البداية والنهاية 6 : 265 ، وقال النووي في شرح مسلم 16 : 100 : ( واتفق العلماء على أنّ المراد . . . بالمبير الحجّاج بن يوسف . . ) . وقال في فيض القدير شرح الجامع الصغير 2 : 600 بعدما ذكر ما ذكره النووي قال : ( وقال ابن العربي : الحجّاج ظالم معتدي ملعون على لسان المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) من طرق خارج عن الإسلام عندي ) . 3 - راجع النصّ والاجتهاد : 599 .