الجماعة جاء إلى مسجد الكوفة ، فلمّا رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه ، ثمّ ضربَ صلعتَه وقال : يا أهل العراق أتزعمون أنّي أكذب على رسول الله وأُحرق نفسي بالنّار ، والله لقد سمعتُ رسول الله يقول : إن لكلّ نبي حرماً وإنّ حرمي بالمدينة ما بين عير إلى ثور ، فمن أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، وأشهد أنّ عليّاً قد أحدثَ فيها . فلمّا بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاّه المدينة ( 1 ) . ويكفينا دليلا أنّه كان والياً على المدينة من قبل معاوية ، ولا شكّ في أنّ المحقّقين والباحثين الأحرار سيشكّون في كلّ من تولّى عدوّ الله ورسوله وعادى وليّ الله ورسوله . ولا شكّ في أنّ أبا هريرة لم يصل إلى ذلك المنصب الرفيع - وهو ولاية المدينة عاصمة الإسلام - إلاّ للخدمات التي أسداها لمعاوية وحكّام بني أُميّة . وسبحان مقلّب الأحوال فقد جاء أبو هريرة إلى المدينة عُرياناً ليس له إلاّ نمرة يسترُ بها عورتَه ، ويستجدي المارّة ليسدّوا رمقه ، والقمل يجري فوق جلده ، وإذا به فجأة يُصبح والي المدينة المنورة ، يسكن قصر العقيق ، وعنده الأموال والخدم والعبيد ، ولا يتكلّم الناس إلاّ بإذنه ! ! كلّ ذلك من بركات كيسه ، فلا تنسَ ولا تتعجَب ، فإنّك ترى اليومَ نفس المسرحيّات تتكرّر والتاريخ يعيد نفسه ، فكم من مُعدم جاهل تقرّب إلى