من أجل ذلك لعبَ عبد الرحمان دور المُراوغ المُخادع ، فطمأن عليّاً في اللّيل وهنّأه بالخلافة ، ولمّا أصبح وحشر أُمراء الأجناد وحضر رؤوس القبائل وزعماء قريش ، عند ذلك انقلب عبد الرحمان ليفاجئ علياً بأنّ الناس لا يعدلُون بعثمان ، وأنّ عليه أن يقبل ، وإلاّ سيجعل على نفسه سبيلا ( يعني يقتلونه إنْ رفض البيعة لمن اختاروه وهو عثمان بن عفان ) . وإنّ الباحث ليفهم ذلك بوضوح خصوصاً عندما يقرأ هذه الفقرة الأخيرة من الرواية ، يقول المسور : « فلمّا اجتمعوا تشهّد عبد الرحمان ثمّ قال : أمّا بعد يا علي إنّي نظرتُ في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان ، فلا تجعل على نفسك سبيلا » . فلماذا يوجّه عبد الرحمان خطابه إلى علي وحده من بين الحاضرين ، ولماذا لم يقل مثلا : أما بعد يا علي ويا طلحة ويا زبير ؟ ! من أجل ذلك فهمنا بأنّ الأمر دُبّر بليل ، وأن الجماعة كانوا متّفقين من البداية على عثمان وإبعاد علي عنها . ولنا أنْ نجزم بأنّهم جميعاً كانوا يخشون من عليّ لو وصل إلى الخلافة أن يعود بهم إلى العدالة والمساواة ، ويحيي لهم سنّة النبيّ ، ويُميت بدعة ابن الخطّاب في المفاضلة ، خصوصاً وأنّ عمر بن الخطّاب قد أشار قبل موته إلى ذلك وحذّرهم من خطر علي عليهم ، فقال : « لو ولّوها الأجلح لحملهم على الجادة » ( 1 ) ، والجادة هي السنّة النبويّة التي لا يحبّها عمر ولا تحبّها
1 - الطبقات الكبرى 3 : 342 ، كنز العمال 12 : 680 ح 36044 وصحّحه عن اللالكائي في السنّة .