ثمّ بعد ذلك نَرى طلحة أوّل من يُبايع الإمام عليّاً بعد مقتل عثمان ، ثمّ ينكُث بيعته ويلتحق بعائشة ابنة عمّه في مكّة ، وينقلب فجأةً للمطالبة بدم عثمان ، سبحان الله ! هل يوجد بهتان أكبر من هذا ؟ ! بعض المؤرّخين يُعلّلُ ذلك بأنّ عليّاً رفض أن يُولّيه على الكوفة وما وراءها ، فنكث البيعة وخرج محارباً للإمام الذي بايعه بالأمس . إنّها نفسيّة من غرق في الدنيا إلى أُمّ رأسه ، وباع آخرته ولم يعد يُشغله غير المنصب والجاه والمال . يقول طه حسين : « فكان طلحة إذن يمثّلُ نوعاً خاصاً من المعارضة ، رضِيَ مَا أتاحَ الرضى لَه الثراء والمكانة ، فلمّا طمع في أكثر من ذلك عارض حتى أهلك وهلكَ ( 1 ) . هذا هو طلحة الذي بايع بالأمس الإمام علياً ، يخرج بعد أيّام قليلة يجرُّ حرم رسول الله عائشة إلى البصرة ، فيقتل الأبرياء ، وينهب الأموال ، ويُثير الرعب في الناس حتى يشقّوا عصا الطّاعة لعلي ، ويقف بدون خجل يُحارب إمام زمانه الذي أعطاه عهد البيعة طائعاً مختاراً . ومع ذلك فقد بعث إليه الإمام علي قبل المعركة ، فلقيه في الصفّ ، فسأله : « أمّا بايعتني ؟ وما الذي أخرجك يا طلحة » ؟ قال : الطلب بدم عثمان . قال علي : « قتل الله أولانَا بدم عثمان » .