ونحن إذ نقدِّمُ هذه الاستدلالات للتعبير عن الواقع الذي لا مفرّ منه ، ألا وهو انتصار الباطل على الحقّ إذا وُجِدَ لَه أنصارٌ ومؤيِّدون ، فبالرغم من أنّ علياً مع الحقّ والحقّ معه يدور حيث دار ، إلاّ أنّه لم يجد له أنصاراً ومؤيِّدون لمقاومة معاوية وباطله ، ولأنّ هذا الأخير وجدَ أنصاراً كثيرين لمقاومة الحقّ ودحضه ، فالناس عبيد الدنيا والدّين لعقٌ على ألسنتهم ، فهم لا يحبّون الحقّ ويميلون مع الباطل ، فالحقّ مرٌّ وصعبٌ ، والباطل سهل ميسور . وصدق الله العظيم إذ يقول : * ( بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) * ( 1 ) . وانتصر باطل يزيد على حقّ الحسين لنفس الأسباب ، كما انتصر باطل الحكّام الأمويين والعبّاسيين على حقّ الأئمّة من أهل البيت الذين استشهدوا كلّهم ساكتين لمصلحة الإسلام والمسلمين . كما غاب الإمام الثاني عشر واختفى خوفاً من الباطل ، وسكت حتّى يجد لنصرةِ الحقّ أعواناً ومؤيّدين ، عند ذلك يأذن اللهُ له بالخروج لتكون ثورة الحقّ ضدّ الباطل عالمية ، فيملأها عدلا وقسطاً كما مُلِئَتْ ظُلماً وجوراً ، وبتعبير آخر : يملأها حقّاً بعد ما مُلِئَتْ بالباطل . وبما أنّ أكثر الناس للحقّ كارهون فهم أنصار الباطل ، ويبقى في الناس عدد قليل محبّ للحقّ ، فلا ينتصرون على أهل الباطل إلاّ بإعانة الله لهم عن طريق المعجزات ، وذلك ما سجّله كتاب الله الكريم في كلّ المعارك والحروب التي جمعتْ أهل الحقّ ضدّ أهل الباطل : * ( كَم مِّن فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) * ( 2 ) .