ثمّ نزّهته عن الأمر بذلك والرضى به . ثمّ قال : يا أبا عبد الله ، لا يزال أهل الحرمين بخير ما كنت بين أظهرهم ، وإنّي أخالك أمَاناً لهم من عذاب الله وسطوته ، ولقد دفع الله بك عنهم وقعة عظيمة ، فإنّهم ما علمت أسرع الناس إلى الفتن وأضعفهم عنها ، قاتلهم الله أنّى يؤفكون . وقد أمرتُ أن يُؤتى بعدوّ الله ( 1 ) من المدينة على قتب ، وأمرت بضيق مجلسه والمبالغة في امتهانه ، ولا بدّ أن أُنزل به من العقوبة أضعاف ما نالك منه . فقلت له : عافى الله أمير المؤمنين ، وأكرم مثواه ، قد عفوتُ عنه لقرابته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثمّ منك . قال أبو جعفر : وأنتَ فعفى الله عنك ووصلك . قال مالك : ثمّ فاتحني في من مضى من السلف والعلماء ، فوجدته أعلم الناس بالناس ، ثمّ فاتحني في العلم والفقه ، فوجدته أعلم الناس بما اجتمعوا عليه ، وأعرفهم بما اختلفوا فيه ، حافظاً لما روي واعياً لما سمع . ثمّ قال لي : يا أبا عبد الله ضع هذا العلم ودوّنهُ ، ودوّن منه كُتباً ، وتجنّب شدائد عبد الله بن عمر ، ورخص عبد الله بن عبّاس ، وشواذ عبد الله بن مسعود ، واقصد إلى أواسط الأمور ، وما اجتمع عليه الأئمّة والصحابة ( رضي الله عنهم ) ، لنحمل الناس إن شاء الله على علمك وكُتبك ، ونبثّها في الأمصار ، ونعهد إليهم أن لا يخالفوها ولا يقضوا بسواها . فقلت له : أصلح الله الأمير ، إنّ أهل العراق لا يرضون علمنا ، ولا يرونَ في عملهم رأيَنَا .
1 - يقصد ابن عمّه جعفر بن سليمان بن العبّاس واليه على المدينة .