فإذا كان أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور الخليفة العبّاسي ، يعزلُ ابن عمّه جعفر بن سليمان بن العباس عن ولاية المدينة من أجل ضرب مالك ، فهذا يبعثُ على الشكّ والتأمّل ; إذ أنّ ضرب جعفر بن سليمان لمالك لم يكن إلاّ لتأييد خلافة ابن عمّه وتدعيم ملكه وسلطانه ، فكان الواجب على أبي جعفر المنصور إكرام الوالي وترقيته ، لا عزله وإهانته بتلك الطريقة ، فقد عزله وأمر بإقدامه على شرّ حال مكبّلا بالأغلال على قتب ، ثمّ يبعث الخليفة بنفسه اعتذاره إلى مالك لكي يسترضيه ! إنّه أمر عجيب ! ويفهمُ من ذلك بأنّ والي المدينة جعفر بن سليمان تصرّفَ تصرّف الحمقى الذين لا يعرفون من السياسة ودهائها شيئاً ، ولم يفهم بأنّ مالكاً هو عمدة الخليفة وركيزته في الحرمين الشريفين ، وإلاّ ما كان ليعزل ابن عمّه من الولاية لأنّه ضرب مالكاً الذي استحقّ ذلك من أجل فتواه بحرمة بيعة الإكراه . وهذا ما يقَع اليوم أيضاً بين ظهرانينا وأمام أعيننا ، عندما يحاول بعض الولاة إهانة شخص مَا وسجنه لتدعيم هيبة الدّولة وسلامة أمنها ، فإذا بذلك الشخص يكشف عن هويّته ، وإذا به من أقارب السيّد الوزير ، أو من معارف زوجة الرئيس ، فإذا بالوالي قد أُعفِيَ من منصبه ، ودُعيَ لمهام أُخرى قد لا يعرفُها حتّى الوالي نفسه . وهذا يذكرني بحادثة وقعتْ زمن الاحتلال الفرنسي للبلاد التونسية ، فكان شيخ الطريقة العيساوية وجماعته يضربون البنادير ، ويرفعون أصواتهم بالمدائح في اللّيل مروراً ببعض الشوارع ، وحتى يصلوا إلى محل الحضرة