كما أنّ المذهب الحنبلي ما كان ليُعرف لولا تأييد السلطات العباسية في عصر المعتصم ( 1 ) ، عندما تراجع ابن حنبل عن قوله بخلق القرآن ، ولمع نجمه في عهد المتوكّل « الناصبي » . وقوي وانتشر عندما أيدتْ السلطات الاستعماريّة الشيخ محمّد بن عبد الوهاب في القرن الماضي ، وتعامل هذا الأخير مع آل سعود ، فأيّدوه فوراً وناصروه ، وعملوا على نشر مذهبه في الحجاز والجزيرة العربية . وأصبح المذهب الحنبلي يعود إلى ثلاثة أئمة : أوّلهم أحمد بن حنبل الذي لم يكن يدّعي بأنّه فقيهاً ، وإنّما كان من أهل الحديث ، ثمّ ابن تيميّة الذي لقّبوه بشيخ الإسلام ومجدّد « السنّة » ، والذي كفّره علماء عصره ( 2 ) ;
1 - لا شكّ إنّ اتّخاذ مذهب أحمد كمذهب في عداد المذاهب الثلاثة الأُخر جاء متأخّراً عنه بكثير ، ولكن هذا لا يعني أنّ أحمد بن حنبل لم يكن صاحب مذهب خاصّ في العقيدة والحديث وغيرهما ، بل كان له مذهباً ومنهجاً خاصاً انتشر في زمن العباسيين بعد تأييد المتوكّل له ودعمه إيّاه . 2 - جاء في كتاب تهنئة الصديق للسقّاف : 46 : « كان الشيخ زين الدين ابن رجب الحنبلي ممّن يعتقد كفر ابن تيميّة ، وله عليه الردّ ، وكان يقول بأعلى صوته في بعض مجالسه : معذور السبكي يعني في تكفيره » ونقل عن ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الحديثية : 114 « ابن تيميّة عبد خذله الله وأضلّه وأعماه وأذلّه ، وبذلك صرّح الأئمة الذين بيّنوا فساد أحواله وكذب أقواله ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد المتفق على إمامته وجلالته وبلوغه مرتبة الاجتهاد أبي الحسن السبكي وولده التاج والشيخ الإمام العزّ بن جماعة وأهل عصرهم وغيرهم من الشافعية والمالكية والحنفية . . . » . وذكر ابن حجر العسقلاني في فتح الباري 3 : 53 ( كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة ) : « قال الكرماني : وقع في هذه المسألة ( أي شدّ الرحال ) في عصرنا في البلاد الشامية مناظرات كثيرة وصنّف فيها رسائل من الطرفين . قلت : يشير إلى ما ردّ به الشيخ تقي الدين السبكي وغيره على الشيخ تقي الدين ابن تيميّة ، وما انتصر به الحافظ شمس الدين ابن عبد الهادي وغيره لابن تيميّة وهي مشهورة في بلادنا ، والحاصل أنّهم ألزموا ابن تيميّة بتحريم شدّ الرحال إلى زيارة قبر سيّدنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) . . . وهي من أبشع المسائل المنقولة عن ابن تيميّة » .