ثم تعالى لترى هل هي مسكرة خمرته أم أنها ليست كذلك . يقول الشعبي : " شرب أعرابي من أداوة عمر فأغشي فحده عمر ، ثم قال : وإنما : حده للسكر لا للشراب [18] " . لقد استمر عمر في شربه للخمر حتى وفاته ، ورخص لأهل الشام في ذلك حتى كان من الحق أن تعتبره عائشة خمرا حراما لا مجال للتخريج فيه . لقد حج أبو مسلم الخولاني ودخل على عائشة زوج النبي ( ص ) فجعلت تسأله عن الشام وعن بردها فجعل يخبرها فقالت كيف تصبرون على بردها ؟ فقال : يا أم المؤمنين أنهم يشربون شرابا لهم يقال له : الطلاء ، فقالت : صدق الله وبلغ حبيبي سمعت حبيبي رسول الله ( ص ) يقول : " إن أناسا من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها [19] " . فكيف بالله عليك أن يكون فاروق الأمة ممن يعبث بأحكام الله ويصعد منبر رسول الله ( ص ) بعد أن يكرع ما شاء له شيطانه علما أن الرسول ( ص ) قال : " ما أسكر كثيره فقليله حرام [20] " . ولا داعي للإطناب في ذلك إذ أن غايتنا من ذلك هو إيجاد مفتاح لشخصية عمر ولعبقريته التي نسجها عنه أدباءنا ومؤرخونا ، وكيف لا يكون عبقريا وهو الذي رخص في شرب الخمر وجعلها دواءا له يساعده على الهضم ويسهل بطنه حين قال : " إني رجل معجاز البطن أو مسعار البطن وأشرب هذا النبيذ الشديد فيسهل بطني [21] " . ومن خلال هذا يمكننا القول إن ما عرف به عمر من التزام ديني قوي رفعه إلى مستوى الفاروق . لن يكون إلا حبكة مفتعلة ، فالالتزام الديني لا يظهر من خلال
[18] العقد الفريد 3 ص 416 / ابن عبد ربه . [19] الإصابة 3 ص 546 . [20] الترمذي في الصحيح ص 342 / البيهقي في السنن 8 ص 396 . [21] ابن أبي شيبة ، كنز العمال 3 ص 109 .