وأي دين بقي لهم عندما زحزحوا الولاية الشرعية عن أهلها . واعتبر عدم شهرة الوصية مقابل شهرة الصلاة ، كدليل على عدم وقوع الأولى ، وشبهته في ذلك واضحة ، ذلك أن الشهرة لا تجبر الضعيف ، ورب حديث تواتر نقله على ألسن الغوغاء وهو في أصله من مرفوعات الوضاعين ، ورب حديث صحيح صريح ، استضعفته يد السلطان ، فصار في دهاليز الآحاد ، وهبنا قبلنا طريقة برهانه ، فإن أحاديث الوصية كما ذكرنا هي مما اشتهر وتواتر ، وإن حديث الصلاة رغم إنه لا يفيد في هذا المقام هو مما شذ وضعف فأي شهرة باتت لحديث الصلاة ، وبأي الحديث أنتم مؤمنون ! . ويشط النصب بابن خلدون فيقرر : " ويدل ذلك أيضا على أمر الإمامة والعهد بها لم يكن مهما كما هو اليوم [143] " . ويقول : " فانظر كيف كانت الخلافة لعهد النبي ( ص ) غير مهمة ، فلم يعهد فيها . ثم تدرجت الأهمية زمان الخلافة بعض الشئ [144] " . أي إن الإمامة لم تكن ذات أهمية إلا مع تدهور الوازع الديني وذهاب الوصي وغياب المعجزة ، وحلول العصبية محل ذلك ، وهذا لعمري تناقض كبير ، فها هو يعتبر أن الإمامة لم تكن تقوم على العصبية ، ويعترف في ما سبق من كلام بما جرى من جدال داخل السقيفة على أساس أن الفريقين كانا يجادلان بالانتساب إلى العشيرة ، كانتساب أبي بكر لقريش ورد عمر على الأنصار بنفس المنطق . وليتني عرفت أي طريق يسلك ابن خلدون لأقتفي آثاره ، ومن أي معين يغترف تبريره لكي أضبط قصده ، إذ كيف تكون الإمامة غير مهمة في تلك الفترة ، وهي مما أثار أشد الخلافات بعد رسول الله ( ص ) وفيها يقول الشهرستاني : ما استل سيف في الإسلام مثل ما استل في الإمامة [145] .
[143] نفس المصدر ص 224 . [144] نفس المصدر ص 225 . [145] الملل والنحل / الشهرستاني .