رفضها لغلوها في استنقاص الصحابة . هاهو الآن يحط من قدرهم . وينزل من شأنهم كأشد ما يكون من الاستنقاص وكأحط ما يكون الاستنزال . فهو يتهم صحابة من ذوي الفضل والسابقة . وممن يشهد لهم الرسول ( ص ) بالعظمة وعهد لهم بما سارت به الركبان وغنت به الشعراء . هاهو يجعلهم أكثر دونية وصغارا ، ويصورهم على أشكال تقع دون البله ، وأقل تبصرا من الغرير ، فيجعل من عمار بن ياسر ذي السابقة والبلاء ممن يستميلهم اليهودي المتزندق ، ومن أبي ذر الغفاري العظيم ، من يغريهم السفهاء والدخلاء بالتعرض للأمراء ، وكأن ديننا ليست فيه فكرة عن مناهضة الظلم ، ولا وازع لمحاربة الفساد . وأي دين هو أحرص من ديننا في طلب الاصلاح وممارسة التغيير ، وحسبك من ذلك التهافت ، إن ابن خلدون ذهب إلى أن حكيم بن جبلة كان قد رفض على ابن السوداء دعوته وإخراجه من البصرة ، كيف يكون حكيما أبصر بالأمور ، وأكثر تمييزا لما بين الحق والباطل ، ممن قام الإسلام على إخلاصهم ، وماتوا على صدق في المواطن . ثم بالله عليك ، ماذا سوف يعلمهم ابن السوداء ، وكيف يغري أبا ذر ويستميل عمارا ؟ ! ! . ابن خلدون يذهب إلى أن ابن سبا أغرى أبا ذر بمعاوية ، إذ قال : " وكان ابن سبأ يأتيه فيغريه بمعاوية " [80] . " وجاء به عبادة إلى معاوية وقال : هذا الذي بعث عليك أبا ذر . " كما زعم أنه علم عمارا القول بالإمامة والرجعة . إن هذا لعمر الله هو صميم النيل من الصحابة ، وإنه لازدراء ما بعده ازدراء ، فهدي محمد لم يستطع أن يوفر أدنى حصانة دينية وعلمية لعمار وهو من أعمدة الدعوة وأركانها ، حتى يأتي يهودي فيستميله ، كاستمالة الحدث الصغير .