" وغلبوهم عليه جماعا وموعظة " ولعل كلمتي " جماعا وموعظة " هي لغز زائد عند ابن خلدون وإمعانا منه في تنسيق موقف الشيخين فيما زاولوه من قمع وإرهاب للأنصار . دعنا نتابع الأمر لنرى هل فيه ما يصدق كلام بن خلدون ؟ ! . ذكر هذا الأخير احتجاج كل من أبي بكر وعمر بن الخطاب على هذا النحو : قال أبو بكر : نحن أولياء النبي وعشيرته وأحق الناس بأمره ، ولا ينازع في ذلك وأنتم لكم حق السابقة والنصرة ، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء . وقال الحباب بن المنذر بن الجموح : منا أمير ومنكم أمير ، وإن أبوا فاجلوهم يا معشر الأنصار عن البلاد ، بأسيافكم وإن الناس لهذا الدين ، وإن شئتم أعدناها جذعة أنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب . وقال عمر : " إن رسول الله ( ص ) أوصانا بكم كما تعلمون ، ولو كنتم الأمراء لأوصاكم بنا " . قبل السير في كشف آثار التلبيس في هذا النص ، يجدر بنا أن نعري أيضا عن [45] ذلك الجو الذي أودعوه خبر السقيفة . ابن خلدون يجعل خبر السقيفة بحيث يفيد القارئ بمدى تلقائية اجتماع أبي بكر وعمر أبي عبيدة . والواقع يثبت عكس ذلك . إن هناك خطة مدبرة سلفا يتزعمها أولئك الثلاثة . ولست ممن يستسيغ أن يكون هذا الحلف قادرا بتلقائيته الانتصار على الأنصار إن لم يكن هناك تدبير مسبق . ذكر ابن أبي الحديد : " إن عمر لما علم أن رسول الله قد مات خاف من وقع فتنة في الإمامة وتغلب أقوام عليها ، إما من الأنصار أو من غيرهم ، فاقتضت المصلحة عنده تسكين الناس فأظهر ما أظهر وأوقع تلك الشبهة في قلوبهم حراسة للدين والدولة إلى أن جاء أبو بكر [46] " . وهذا الكلام يفيد في أن قضية الخلافة كانت متواجدة في ذهن عمر بن الخطاب وينتظر مجئ أبي بكر ليبدأ تحركهما في هذا المجال والأمر آنذاك كان يقتضي تسكين
[45] نفس المصدر ص 468 . [46] شرح النهج ، ابن أبي الحديد .