أقول وكيف يكون ( أبو بكر ) خليلا له وقد رده عن تبليغ براءة وأعطاها عليا ( ع ) ثم قال : " أمرت ألا يؤدي عني إلا أنا أو أحد مني " ، فلعلها القاصمة التي أيقظت حفيظة البكرية فراحت تبحث عن مقابل لهذه الفضيلة . إن ابن خلدون يردف حديث الخلة بزيادة ، قائلا " ولكن صحبته إخاء وإيمان حتى يجمعنا الله عنده " . فالرسول ( ص ) هنا يعتبر صحبته إخاء . وهذا لا وجه له فيما كان في حادثة الإيخاء . فلو كان الأمر كما أورد ابن خلدون . إذا لكان الرسول ( ص ) أولى بأن يتخذ له في حادثة الإيخاء أبا بكر أخا ، تعويضا عن تلك الخلة التي تمناها له . ولكن ابن خلدون في حديثه عن المؤاخات ذكر بأن الرسول ( ص ) آخى بين أبي بكر وخارجة ابن زيد . ولقد جاء في الأخبار بتواتر ، " أن رسول الله ( ص ) آخى بين الناس ، وترك عليا حتى بقي آخرهم ، لا يرى له أخا فقال : يا رسول الله ( ص ) آخيت بين أصحابك وتركتني ؟ فقال : إنما تركتك لنفسي ، أنت أخي ، وأنا أخوك ، فإن ذكرك أحد ، فقل . أنا عبد الله وأخو رسوله ، لا يدعيها بعدك إلا كذاب " [30] . وكذلك لو كان الأمر كذلك ، إذن لكان أولى بأبي بكر أن يفوز بأخوة الرسول ( ص ) وبالمنزلة كما جاء في صحاح السنة " أما ترضى أن تكون مني بمنزل هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " [31] . هذه كلها قرائن تصرف الخلة عن أبي بكر . وتكشف عن أسباب التحريف والتزوير الذي قامت به البكرية وسار عليه العامة . وابن خلدون لا يجهل الصحاح . وهو الفقيه المالكي المتطرف . كيف أنه يتجاوز كل هذه الأخبار المتواترة ليركز على ما شذ وخالف . وذاك ضغن واضح منه .
[30] مسند أحمد بن حنبل . [31] صحيح مسلم والبخاري وأبي داود والترمذي والنسائي وأحمد في مسنده .