فقال عمر : لمثله أن يتيه ، لولا سيفه لما قام عمود الدين ، وهو بعد أقضى الأمة وذو سابقتها ، وذو شأنها . فقال له ذلك القائل : فما منعكم يا أمير المؤمنين منه ؟ فقال : ما كرهناه إلا على حداثة سنه ، وحبه لبني عبد المطلب ، وحمله سورة براءة إلى مكة . ولما دعا معاوية إلى البراز لتسريح الناس من الحرب بقتل أحدهما فقال له عمرو : قد أنصفك الرجل . فقال له معاوية : ما غششتني في كل ما نصحتني إلا اليوم ، أتأمرني بمبارزة أبي الحسن وأنت تعلم أنه الشجاع المطوق ؟ أراك طمعت في إمارة الشام بعدي ( 1 ) . وكانت العرب تفتخر لوقعها في الحرب في مقابلته ، فأما قتلاه فافتخر رهطهم لأنه ( ع ) قتلهم وأقوالهم في ذلك أظهر وأكثر من أن تحصى وقالت أم كلثوم ( 2 ) في عمر بن عبد ود ترثيه : لو كان قاتل عمرو غير قاتله بكيته أبداً ما عشت في الأبد لكن قاتله من لا نظير له قد كان يدعى أبوه بيضة البلد ( 3 ) وجملة الأمر أن كل شجاع في الدنيا إليه ينتمي ، وباسمه من مشارق الأرض ومغاربها . وأما كرمه وسخاؤه فهو الذي كان يطوي في صيامه حتى صام طاوياً ثلاثة أيام يؤثر السائل كل ليلة بطعامه حتى أنزل الله فيه : ( هل أتى
1 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 20 وج 8 ص 53 . 2 - وهي أخته عمرة وكنيتها أم كلثوم . 3 - المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 33 ، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 62 ، الإرشاد للمفيد ج 1 ص 108 ، لسان العرب لابن منظور ج 7 ص 127 .