وقد كان النصيب الأكبر في القرب من المتوكل هو لأحمد بن حنبل ، لأنه هو البقية من محنة القرآن بعد أن قتل أبطاله . وكان المتوكل يوصي الأمراء باحترام أحمد وتقديره ، ويصله بصلات سنيه ويعطف عليه ورتب له في كل شهر أربعة آلاف درهم ( 1 ) . فعلا نجم أحمد وازدحم الناس على بابه وتهافت رجال الدولة وأعيانها عليه ، وكان أحمد في المقابل يذهب إلى صحة خلافة المتوكل وإمامته ولزوم طاعته ، وكان يؤيد الدولة ويشد أزرها ، وهذا ليس بغريب من أحمد فإنه يرى طاعة الحاكم أياً كان براً أو فاجراً . قال أحمد في إحدى رسائله : والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين ، البر ولا فاجر ، ومن ولي الخلافة فأجمع الناس عليه ورضوا به ، ومن غلبهم بالسيف وسُميّ أمير المؤمنين ، والغزو ماض مع الأمراء إلى يوم القيامة ، البر والفاجر ، وإقامة الحدود إلى الأئمة وليس لأحد أن يطعن عليهم أو ينازعهم ، ودفع الصدقات إليهم جائز من دفعها إليهم أجزأت عنه ، براً كان أو فاجراً . وصلاة الجمعة خلفه وخلف كل من ولي جائزة إمامته ومن أ ، عادها فهو مبتدع تارك للآثار مخالف للسنة . ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وكان الناس قد اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه من الوجوه ، أكان بالرضا أو الغلبة ، فقد شق الخارج عصا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله ، فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية ( 2 ) . ويقول أبو زهرة في نفس الكتاب ص 321 : ( ولأحمد رأي يتلاقى فيه مع سائر الفقهاء وهو جواز إمامة من تغلب ورضيه الناس ، وأقام الحكم
1 - تاريخ ابن كثير ج 10 ص 239 . 2 - تاريخ المذاهب الإسلامية ، لأبي زهرة ج 2 ص 322 .