فقال عبد الله : وما تصنع بي ؟ أبيدك ضرر أو نفع ؟ والله ما أخاف ضرك ول أرجو نفعك ، حتى يكون الله عز وجل يأذن لك فيّ . قال المنصور : إنك أحللت بنفسك وأهلكتها . فقال عبد الله : اللهم إن كان بيد أبي جعفر ضري ، فلا تدع من الضر شيئاً إلا أنزلته علي ، وإن كان بيده منفعتي ، فاقطع عني كل منفعة منه ، أنت يا رب بيدك كل شيء ، وأنت مليك كل شيء . فأمر به أبو جعفر ، فحمله إلى بغداد ، فسجنه بها ثم أطلقه ( 1 ) . ولذلك نجد مالكاً بعُد عن الإمام الصادق ( ع ) ، لأنه لا يتفق مع آرائه من مجانبة السلطان والابتعاد عنه . وأنا - في نظري - أن السبب الأساسي في غضب السلطة أولاً على مالك لأنها رأت منه تودداً للإمام الصادق ( ع ) ، والشبهة التي كانت تدور في ذلك القوت ، أن العرب يريدون أن يثأروا لأهل البيت ، ولذلك نجد أن السلطة قربت الموالي ونصرت أبا حنيفة في الكوفة ، وعندما انتفى هذا الأمر لم تجد السلطة طريقاً إلا أن تلمع شخصية مالك وتطرحه كرمز ديني للدولة ، حتى يصدق عليها اسم الدولة الإسلامية ، وخاصة أن العباسيين ثاروا على الأمويين بحجة أنهم بعدوا عن الدين ، ولهذا نجد أن المرسوم الملكي صرح بصلاحيات لمالك لم تكن معهودة عند عالم من قبل : ( إن رابك ريب من عامل المدينة أو عامل مكة أو أحد من عمال الحجاز في ذاتك أو ذات غيرك أو سوء أو شر في الرعية . فاكتب إليّ بذلك أُنزل بهم ما يستحقون ) . فعظُمت بذلك منزلة مالك ، فأخذ الولاة يهابونه هيبة المنصور ، كما حدّث الشافعي عندما قدم المدينة يحمل كتاباً لواليها من والي مكة ، ويطلب منه أن يوصله إلى مالك فقال الوالي : يا فتى إن المشي من جوف المدينة إلى