ثم يواصل قوله : ( فقرئت كتبه على الناس فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها ، وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجري حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر ، وألقى على معلمي الكتاتيب ، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن ، وحتى علموه بناتهم ونساءهم ، وخدمهم ، وحشمهم ، فلبثوا بذلك ما شاء الله ) . ويضيف : ( ثم كتاب إلى عماله نسخة إلى جميع البلدان : انظرا من قامت عليه البينة أنه يحب علياً وأهل بيته ، فامحوه من الديوان ، وأسقطوا عطاءه ورزقه ، وشفع ذلك بنسخة أخرى : من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به واهدموا داره . فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق ، ولا سيما بالكوفة ، حتى أن الرجل من شيعة علي ( ع ) ليأتيه من يثقبه ، فيدخل بيته ، فيلقي إليه سره ويخاف من خادمه مملوكه ، ولا يحدثه حتى يأخذ عليه الإيمان الغليظة ، ليكتمن عليهم ، فظهر حديث كثير موضوع ، وبهتان منتشر ، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاء والولاة . وكان أعظم الناس في ذلك بلية ، القراء المراؤون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقدروا مجالسهم ، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين ، الذين لا يستحلون الكذب والبهتان فقبلوها ورووها ، وهم يظنون أنها حق ، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها ) ( 1 ) . ويتضح لك من ذلك شدة المؤامرة التي حيكت لتزييف الحقائق إلى درجة أنهم أحلو الكذب على رسول الله ( ص ) ، وكل هذا يرجع للعداء الشديد الذي يحمله معاوية لعلي وشيعته ، ولذلك جند معاوية كل إمكانياته