وعده ، وأظهر دعوته ، وأبلج حجته ، وقبضه الله إليه صلوات الله عليه ، فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه حقه ، وخالفه على أمره ، على ذلك اتفاقاً واتساقاً ، ثم إنهما دعوه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما ، وتلكأ عليهما ، فهما به الهموم وأرادا به العظيم ، ثم إنه بايعهما وسلم لهما ، وأقاما لا يشركانه في أمرهما ولا يطلعانه على سرهما حتى قبضهما الله . أبوك مهد مهاده وبنى لملكه وساده ، فإن يك ما نحن فيه صواباً فأبوك استبد به ونحن شركاؤه ، ولولا ما فعل أبوك من قبل ما خلافنا ابن أبن طالب ، وسلمنا إليه ، ولكن رأينا أباك فعل ذلك به قبلنا فأخذنا بمثله ، فعب أباك بما بدا لك أو دع ذلك . والسلام على من أناب ) ( 1 ) . فقد عرفت بذلك السر الذي منع الطبري وابن الأثير وابن كثير من نقل هذه لأنها تكف واقع الصراع والخلاف الذي حدث بين المسلمين في أمر الخلافة ، التي هي حق لعل ، فهذا معاوية يعترف بذلك ولكنه يعتذر بأن خلافته هي امتداد لخلافة أبي بكر ، ويشنع بذلك على ابنه ( محمد بن أبي بكر ) حتى يسكته عن الكلام في هذا الأمر . . . ولكن لا عليك يا معاوية فإن لم يسكت محمد بن أبي بكر ولم يستر أمرك فقد سكت عنها الطبري وابن الأثير وابن كثير . والشواهد على ذلك كثيرة من تزييف المؤرخين وتحريفهم للحقائق ، يطول بنا المجال باستقصائها ، والمتبع في التاريخ يجد ذلك جلياً ، ومن العجب أن المؤرخين لا يسترون ما فعلون من التحريفات ، فتجد إشارة واضحة على ما فعلوه ، فمثلاً فيما حدث لأبي ذر من إهانات جرت له من سوء معاملة عثمان له ، ففي هذا يقول الطبري : فقد ذكر في سبب إشخاصه - أي أبي ذر - إياه منها أ أي من الشام - أمور كثيرة كرهت ذكر أكثرها ) ! وبهذه الصورة الواضحة نكتشف تحريف الطبري للحقيقة .