الإسلام - لما يقيمونه من أدلة ونصوص على صدق مذهبهم لم أشهدها في الطوائف الأخرى في السودان - ولكن مشكلتهم أن هذا المذهب الذي يتبنونه أشبه بقوانين الرياضيات ، فهو عبارة عن قواعد وقوانين جامدة ، تطبق من غير أن تكون لها انعكاسات حضارية واضحة في حياة الإنسان ، وفي فن تعامله مع هذه الدنيا في شتى الأصعدة الفردية منها أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية . . ، وحتى في كيفية العلاقة مع الله تعالى . بل العكس تماماً فكثيراً ما تجعل الإنسان متوحشاً في عزلة عن المجتمع بما يحمله من صكوك التكفير لكل قطاعاته ، فلا يستطيع الواحد منهم أن يتعايش مع المجتمع فيتميز عنهم بلباسه وتصرفاته وفي كل جزئية من حياته ، ولا يتآلف إلا مع أقرانه ، فكنت أحس منهم الغرور والكبر والأنفة لأنهم ينظرون إلى الناس من شاهق عال ، لا يتفاعلون معهم ولا يشاركونهم في حياتهم . وكيف يشاركونهم ؟ ! ، وكل ما يفعله المجتمع بدعة وضلال . وأنا أذكر جيداً عندما دخل المد الوهابي إلى قريتنا ، ففي مدة قليلة ومن غير دراسة ووعي ، انضمت مجموعة كبيرة من الشباب على الخط الوهابي ، ثم لم يستمر الزمن كثيراً حتى تخلّوا عنه جميعاً ، وكان هذا توقعي ، لأن المذهب الجديد منعهم من مخالطة المجتمع وحرّم عليهم كثيراً من العادات التي تربوا عليها ، وهي في الواقع لا تخالف الدين . ومن الطريف أن أذكر ، أن من الأشياء التي كان يعاني منها الشباب المنضمون إلى المذهب الوهابي ، أنه كان من العادة في قريتنا أن الشباب في ليالي القمر يجلسون على الرمال الصافية ويتسامرون ويقضون أوقاتهم ، وهي ساعة اللقاء الوحيدة لشباب القرية الذين يعملون طوال النهار في مزارعهم وأشغالهم المتعددة فكان شيخهم يمنعهم من ذلك ويحرّمه عليهم بحجة أن رسول الله ( ص ) حرَّمَ الجلوس في الطرقات ، رغم أن هذه