لا تحتاج هذه الحادثة إلى شرح وتعليق فهي بنفسها تكشف عن كيفية تولي أبي بكر للخلافة . . وأنها بعيدة كل البعد عن الشورى ، فالشورى لا تنسجم مع هذا الريب المكانين حيث تقع سقيفة بني ساعدة في مزرعة خارج المدينة ، ولكان مسجد رسول الله ( ص ) أولى بانعقاد هذا الأمر فيه ، فإنه محل اجتماع المسلمين وموضع المشاورة في أمور الدنيا والدين ، هذا بالإضافة إلى الريب الزماني حيث ما زال رسول الله ( ص ) مسجى لم يُوراى جسده الطاهر في التراب ، فكيف سمحت لهم نفوسهم أن يتركوه في هذه الحال ليتنازعوا في أمر الخلافة ، وأقطاب الصحابة وأعاظمهم مشغولون برسول الله ( ص ) . فهل هناك عاقل يسمي هذا الأمر شورى ؟ ! وفي الواقع إن القوم لم يبحثوا عن الخلافة الإسلامية الرشيدة التي عن طريقها تصان وحدة المسلمين وكينونتهم ، فكلماتهم كاشفة عن هذا الأمر . فقول سعد : استبدوا بهذا الأمر دون الناس ، أجابوه : أن قد وفقت في الرأي وأصبت في القول ، ولن نعدوا ما رأيت . وقول عمر : من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته . وقول الحباب : املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقاله هذا وأصحابه فيذهب بنصيبكم من هذا الأمر . . . . فهذه الكلمات كاشفة عن نفسية القوم ، فهم لا يريدون إلا سلطة وسلطاناً . بالإضافة للكلمات الحادة التي وقعت بين الصحابة الذين تعب رسول الله ( ص ) ثلاثة وعشرين عاماً في تربيتهم ، فمثلاً قول عمر للحباب : قتلك الله وقول الحباب : بل إياك يقتل ، أو قول عمر لسعد : اقتلوه قتله الله . وقوله : لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضوك ، أو قول قيس بن سعد لعمر وهو ماسك بلحيته : والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة .