إغفال الاخذ بالمرسل - ولا سيما مرسل كبار التابعين - ترك لشطر السنة . قال أبو داود صاحب " السنن " في رسالته إلى أهل مكة المتداولة بين أهل العلم بالحديث : " وأما المراسيل ، فقد كان يحتج بها العلماء ، فيما مضى ، مثل سفيان الثوري . ومالك بن أنس . والأوزاعي حتى جاء الشافعي ، فتكلم فيه " ، وقال محمد بن جرير الطبري : " لم يزل الناس على العمل بالمرسل ، وقبوله ، حتى حدث بعد المائتين القول برده " كما في " أحكام المراسيل " - للصلاح العلائي ، وفى كلام ابن عبد البر ما يقتضى أن ذلك إجماع ، ومناقشة من ناقشهم بأنه يوجد بين السلف من يحاسب بعض من أرسل محاسبة عسيرة ، مناقشة في غير محلها ، لان تلك المحاسبة إنما هي من عدم الثقة بالراوي المرسل ، كما ترى مثل هذه المحاسبة في حق بعض المسندين ، فاذن ليست المسألة مسالة إسناد وإرسال ، بل هي مسالة الثقة بالراوي ، والشافعي ، لما رد المرسل ، وخالف من تقدمه اضطربت أقواله ، فمرة قال : إنه ليس بحجة مطلقا ، إلا مراسيل ابن المسيب ، ثم اضطر إلى رد مراسيل ابن المسيب نفسه في مسائل ، ذكرتها فيما علقت على طبقات الحفاظ ، ثم إلى الاخذ بمراسيل الآخرين ، ثم قال بحجية المرسل عند الاعتضاد ، ولذلك تعب أمثال البيهقي في التخلص من هذا الاضطراب ، وركبوا الصعب ، وفى " مسند " الشافعي نفسه مراسيل كثيرة ، بالمعنى الأعم الذي هو المعروف بين السلف ، وفى " الموطأ " ، وما في أحكام المراسيل للصلاح العلائي من البحوث في الارسال ، جزء يسير ، مما لأهل الشأن من الاخذ والرد في ذلك ، وفيما علقناه على شروط الأئمة الخمسة ، وجه التوفيق بين قول الفقهاء بتصحيح المرسل ، وقول متأخري أهل الرواية بتضعيفه ، مع نوع من البسط في الاحتجاج بالمرسل ، بل البخاري نفسه تراه يستدل في كتبه بالمراسيل ، وكذا مسلم في المقدمة ، وجزء الدباغ ، ولا يتحمل هذا الموضع لبسط المقال في ذلك بأكثر من هذا . ومن شروط قبول الاخبار عند الحنفية مسندة ، كانت ، أو مرسلة ، أن لا تشذ عن الأصول المجتمعة عندهم ، وذلك أن هؤلاء الفقهاء بالغوا في استقصاء موارد النصوص من الكتاب والسنة ، وأقضية الصحابة ، إلى أن أرجعوا النظائر المنصوص عليها ، والمتلقاة بالقبول إلى أصل تتفرع هي منه ، وقاعدة تندرج تلك النظائر تحتها ، وهكذا فعلوا في النظائر الأخرى ، إلى أن أتموا الفحص والاستقراء ، فاجتمعت عندهم أصول - موضع بيانها ، كتب القواعد والفروق - يعرضون عليها أخبار الآحاد ، فإذا ندت الاخبار عن تلك الأصول ، وشذت ، يعدونها مناهضة لما هو أقوى ثبوتا منها ، وهو الأصل المؤصل من تتبع موارد الشرع الجاري مجرى خبر الكافة ، والطحاوي كثير المراعاة لهذه القاعدة في كتبه ، ويظن من لا خبرة عنده أن ذلك ترجيح منه لبعض الروايات على بعضها بالقياس ، وآفة هذا الشذوذ المعنوي في الغالب ، كثرة اجتراء الرواة على الرواة على الرواية بالمعنى ، بحيث تخل بالمعنى الأصلي ، وهذه قاعدة