وعلى المقتر قدره ، متاعا بالمعروف حقا على المحسنين ) ، فأوجبها على مقدار يسار الرجل وإعساره ، ومقدارهما غير معلوم ، إلا من جهة أغلب الرأي ، وأكثر الظن ، ونظيرها أيضا ، نفقات الزوجات ، قال الله تعالى : ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) ، ولا سبيل إلى إثبات المعروف من ذلك ، إلا من طريق الاجتهاد ، وقال تعالى : ( ومن قتله منكم متعمدا ، فجزاء مثل ما قتل من النعم ، يحكم به ذوا عدل منكم ، هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين ، أو عدل ذلك صياما ) ، ثم لا يخلو المثل المراد بالآية ، من أن يكون القيمة ، أو النظير من النعم على حسب اختلاف الفقهاء فيه ، وأيهما كان ، فهو موكول إلى اجتهاد العدلين ، وكذلك أروش الجنايات التي لم يرد في مقاديرها نص ، ولا اتفاق ، ولا تعرف إلا من طريق الاجتهاد ، ونظائرها في الأصول أكثر من أن تحصى ، وإنما ذكرنا منها مثالا يستدل به على نظائره ، فسمى أصحابنا هذا الضرب من الاجتهاد استحسانا ، وليس في هذا المعنى خلاف بين الفقهاء ، ولا يمكن أحدا منهم القول بخلافه ، وأما المعنى الآخر من ضربي الاستحسان ، فهو ترك القياس ، إلى ما هو أولى منه ، وذلك على وجهين : أحدهما : أن يكون فرع يتجاذبه أصلان ، فيجب إلحاقه به ، وأغمض ما يجئ من مسائل الفروع ، وأدقها مسلكا ، ما كان من هذا القبيل ، ووقف هذا الموقف ، لأنه محتاج في ترجيح أحد الوجهين على الآخر ، إلى إنعام النظر ، واستعمال الفكر ، والروية ، في إلحاقه بأحد الأصلين دون الاخر . . . فنظير الفرع الذي يتجاذبه أصلان ، فيلحق بأحدهما دون الآخر ، ما قال أصحابنا ، في الرجل يقول لامرأته : إذا حضت ، فأنت طالق ، فتقول :
قد حضت : إن القياس أن لا تصدق حتى يعلم وجود الحيض منها ، أو يصدقها الزوج ، إلا أنا نستحسن ، فنوقع الطلاق . قال محمد : وقد ندخل في هذا الاستحسان بعض القياس ، قال أبو بكر : أما قوله : إن القياس أن لا تصدق ، فان وجهه أنه قد ثبت بأصل متفق عليه ، أن المرأة لا تصدق في مثله في إيقاع الطلاق عليها ، وهو : الرجل يقول لامرأته : إن دخلت الدار ، فأنت طالق ، وإن كلمت زيدا ، فأنت طالق ، فقالت بعد ذلك : قد دخلتها بعد اليمين ، أو كلمت زيدا ، وكذبها الزوج ، إنها لا تصدق ، ولا تطلق حتى يعلم ذلك ببينة ، أو باقرار الزوج شرطا لايقاع الطلاق ، وكما أنه لو قال لها : إذا حضت ، فان عبدي حر ، أو قال : فامرأتي الأخرى طالق ، فقالت : حضت ، وكذبها الزوج ، لم يعتق العبد ، ولم تطلق المرأة الأخرى ، فقد أخذت هذه الحادثة شبها من هذه الأصول التي ذكرنا ، فلو لم يكن لهذه الحادثة غير هذه الأصول لكان سبيلها أن تلحق بها ، ويحكم لها بحكمها ، إلا أنه قد عرض لها أصل آخر ، منع إلحاقها بالأصل