فائدة : - ومجرد الكلام في الرجل لا يسقط حديثه ، ولو اعتبرنا ذلك لذهب معظم السنة ، إذ لم يسلم من كلام الناس ، إلا من عصمه الله ، بل خرج في " الصحيح " لخلق ممن تكلم فيهم ، ومنهم جعفر بن سليمان الضبعي . والحارث بن عبد الأيادي .
وأيمن بن نابل الحبشي . وخالد بن مخلد القطواني . وسويد بن سعيد الحرثاني . ويونس ابن أبي إسحاق السبيعي . وغيرهم ، ولكن صاحبا الصحيح رحمهما الله إذ أخرجا لمن تكلم فيه ، فإنهم ينتقون من حديثه ما توبع عليه ، وظهرت شواهده ، وعلم أن له أصلا ، ولا يروون ما تفرد به ، سيما إذا خالفه الثقات ، كما أخرج مسلم لأبي أويس حديث :
" قسمت الصلاة بيني وبين عبدي " : لأنه لم يتفرد به ، بل رواه غيره من الاثبات ، كمالك . وشعبة . وابن عيينة ، فصار حديثه متابعة ، وهذه العلة راحت على كثير ممن استدرك على " الصحيحين " فتساهلوا في استدراكهم ، ومن أكثرهم تساهلا ، الحاكم أبو عبد الله في " كتابه المستدرك " ، فإنه يقول : هذا حديث على شرط الشيخين ، أو أحدهما ، وفيه هذه العلة إلا يلزم من كون الرواي محتجا به في الصحيح أنه إذا وجد في أي حديث ، كان ذلك الحديث على شرطه لما بيناه ، بل الحاكم كثيرا ما يجئ إلى حديث لم يخرج لغالب رواته في الصحيح ، كحديث روى عن عكرمة عن ابن عباس ، فيقول : هذا على شرط البخاري " يعنى لكون البخاري أخرج لعكرمة " ، وهذا أيضا تساهل ، وكثيرا ما يخرج حديثا بعض رجاله للبخاري ، وبعضهم لمسلم ، فيقول : هذا على شرط الشيخين ، وهذا أيضا تساهل ، وربما جاء إلى حديث فيه رجل قد أخرج له صاحبا " الصحيح " عن شيخ معين لضبطه حديثه وخصوصيته به ، ولم يخرجا حديثه عن غيره لضعفه فيه ، أو لعدم ضبطه حديثه ، أو لكونه غير مشهور بالرواية عنه ، أو لغير ذلك ، فيخرجه هو عن غير ذلك الشيخ ، ثم يقول : هذا على شرط الشيخين ، أو البخاري . أو مسلم ، وهذا أيضا تساهل ، لان صاحبي " الصحيح " لم يحتجا به إلا في شيخ معين ، لا في غيره ، فلا يكون على شرطهما ، وهذا كما أخرج البخاري . ومسلم حديث خالد بن مخلد القطواني عن سليمان بن بلال . وغيره ، ولم يخرجا حديثه عن عبد الله بن المثنى ، فان خالدا غير معروف بالرواية عن ابن المثنى ، فإذا قال قائل في حديث يرويه خالد بن مخلد عن ابن المثنى : هذا على شرط البخاري .
ومسلم ، كان متساهلا ، وكثيرا ما يجئ إلى حديث فيه رجل ضعيف ، أو متهم بالكذب ، وغالب رجاله رجال الصحيح ، فيقول : هذا على شرط الشيخين . أو البخاري . أو مسلم ، وهذا أيضا تساهل فاحش ، ومن تأمل كتابه " المستدرك " تبين له ما ذكرناه ، قال ابن دحية في كتابه " العلم " المشهور : ويجب على أهل الحديث أن يتحفظوا من قول الحاكم أبى عبد الله ، فإنه كثير الغلط ظاهر السقط ، وقد غفل عن ذلك كثير ممن جاء بعده ، وقلده في ذلك .