إن « دار العلم » ليست مدرسة فقط بل ومكتبة أيضا ، وهي ثالثة المكتبتين الشهيرتين ببغداد : فالمكتبة القديمة منها هي التي أسسها الرشيد وتدعى « بيت الحكمة » ، والحديثة هي التي أنشأها وزير شرف الدولة البويهي أبو نصر سابور ابن أردشير سنة 381 ، وقد حدث عنها ياقوت وأطراها ، وكان الخازن لمكتبة « دار العلم » هو أبو احمد عبد السلام بن الحسين البصري صاحب الصيت الذائع في علم تقويم البلدان . وكان لعبد السلام هذا مجمع علمي خاص ببغداد وينعقد له يوم الجمعة كل أسبوع .
وهناك مجامع عامة : أحدها مجمع زعيمه الشريف الرضي يحضره الأدباء على اختلافهم ، وآخر لأخيه « الشريف المرتضى » وهو من المجامع الفلسفية الكلامية العامة ، وثالث للوزير أبى نصر السالف ذكره ، ورابع لأبي حامد الأسفرائيني من فقهاء الشافعية يحضره نحو سبعمائة متفقه ، وخامس للشيخ المفيد يحضره من فقهاء الإمامية أكثر من ذلك .
وكانت المحاضرات العامة تلقى على الناس في هذه المجامع من أولئك الأئمة في شتى العلوم والفنون . انتهى .
أقول : وما أشار إليه من اهداء الوزير المهلبي هدية وإباء الشريف من قبوله وان الطلاب أيضا لم يمدوا إليه يدا ولم يرمقوا إليها نظرا ، هو ما ذكره في « الروضات » عن أبى إسحاق الصابي الكاتب أن الوزير المهلبي قال له : بلغني ذات يوم أنه ولد للشريف الرضي غلام فأرسلت إليه بطبق فيه ألف دينار فرده وقال : قد علم الوزير إني لا أقبل من أحد شيئا . فرددته إليه وقلت : إني إنما أرسلته للقوابل ، فرده الثانية وقال : قد علم الوزير أنه لا تقبل نساؤنا غريبة وإنما عجائزنا يتولين هذا الأمر من نسائنا ولسن ممن يأخذن أجرة ولا يقبلن صلة . فرددته إليه وقلت : يفرقه الشريف على ملازميه من طلاب العلم ، فلما جاءه الطبق وحوله طلاب