المكثرون إلا من قال : هكذا وهكذا وهكذا بين يديه وعن يمينه ويساره ، ثم مشى ساعة فقال : يا أبا هريرة ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ فقلت : بلى يا رسول الله ! قال : قل : " لا حول ولا قوة إلا بالله ولا ملجا من الله إلا إليه ، ثم مشى ساعة ، فقال : يا أبا هريرة ! هل تدري ما حق الله على الناس أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق الناس على الله إذا فعلوا ذلك أن لا يعذبهم " [1] . وما ذكرته ليس إلا نموذجا من حرصه على طلب العلم وملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحبه الجم لخليله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه ، ومن يقرا مسنده يعرف مقدار ذلك الحب وعمقه وتثبته في الحديث وحفظه ودقته في الراوية وضبطه .
فنعيش لحظات في بيان نماذج من حفظ أبي هريرة رضي الله عنه .
" أبو هريرة حافظ الصحابة " :
يقول أبو هريرة رضي الله عنه وهو واثق من حفظه مصرحا بذلك بدون حرج : " اني لا أعرف أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون أحفظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني " ( 3 ) .
وقال أبو هريرة : " حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائين فأما أحدهما فبثثته في الناس ، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم " ( 3 ) - أي الرأس من الرقبة .
وفي الفتح : وعاءين أي ظرفين أطلق المحل وأراد به الحال أي نوعين من العلم . . . وإنما مراده أن محفوظه من الحديث لو كتب لملأ وعاءين ، ويحتمل أن يكون أبو هريرة أملى حديثه على من يثق به فكتبه له وتركه عنده ، والأول أولى ( 3 ) .
وحمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم وقد كان أبو هريرة يكني عن بعضه ولا يصرح به