فبينا هو يتفكر في هذا إذ نظر أمامه فإذا هو بشخص قد أقبل على فرس أبلق ، عليه ثياب بياض ، وعمامة بيضاء يمسح الهواء مسحا ، فلم يزل يرمقه بعينه حتى كان منه قريبا فتوارى عنه ثم صاح به فقال : أنت لقمان ؟ قال : نعم .
قال أنت الحكيم قال كذلك يقال وكذلك بعثني ربى .
قال : ما قال لك ابنك هذا السفيه ؟ قال : يا عبد الله ، من أنت أسمع كلامك ، ولا أرى وجهك ؟ قال : أنا جبريل ، لا يراني إلا ملك مقرب ، أو نبي مرسل ، لولا ذلك لرأيتني ، فما قال لك ابنك هذا السفيه ؟ قال : قال لقمان في نفسه : إن كنت أنت جبريل ، فأنت أعلم بما قاله أبني مني فقال جبريل صلى الله عليه وسلم : ما لي بشئ من أمركما على أن حفظتكما ، ائتيني ، وقد أمرني ربى بخسف هذه المدينة وما يليها ، ومن فيها ، فأخبروني أنكما تريدان هذه المدينة ، فدعوت ربي أن يحبسكما عني ، بما شاء فحبسكما الله عني بما ابتلى به ابنك ، ولولا ما ابتلى به ابنك لخسفت بكما مع من خسفت .
قال : ثم مسح جبريل يده على قدم الغلام فاستوى قائما ، ومسح يده على الذي كان فيه الطعام فامتلأ طعاما ، ومسح يده على الذي كان فيه الماء فامتلأ ماء ، ثم حملهما وحماريهما فزجل بهما كما يزجل الطير ، فإذا هما في الدار التي خرجا منها بعد أيام وليالي ) .