ثم يعرج القرطبي على مثل ما جاء في قول الزمخشري فيورد : " وقال بعض العلماء : إن الشكر أعم من الحمد لأنه باللسان وبالجوارح والقلب ، والحمد إنما يكون باللسان " . هذا وفي اللغة جاء مصدر شكر يشكر شكرا وشكورا وشكرانا ، ويقال : شكر له وشكره وتشكر له بمعنى . إن هذه الألفاظ المتقاربة المعاني قد ينوب بعضها عن بعض كما سلف وإن كان بينها بعض الفروق التي اتضحت . وأكثر العلماء في التراث العربي الاسلامي يتناولون معاني هذه الألفاظ عند الحمد والشكر لله . نعود إلى الحديث الذي سلف ذكره " ما شكر الله عبد لم يحمد " يعقب الجرجاني عليه بقوله : " فإنه إذا لم يعترف بإنعام المولى ولم يثن عليه بما يدل على تعظيمه وإكرامه لم يظهر منه شكر ظهورا كاملا ، وإن اعتقد وعمل فلم يعد شاكرا ، لان حقيقة الشكر إظهار النعمة والكشف عنها ، كما أن كفرانها إخفاؤها وسترها . والاعتقاد أمر خفي في نفسه ، وعمل الجوارح وإن كان ظاهرا إلا أنه يحتمل خلاف ما قصد به . فإنك إذا قمت تعظيما لأحد احتمل القيام أمرا آخر ، إذ لم يتعين للتعظيم بخلاف النطق ، فإنه ظاهر في نفسه ومعين لما أريد به وضعا . . . " فالحمد وهو النطق والثناء باللسان كما سبق " أظهر أنواع الشكر وأشهرها وأشملها على حقيقة الشكر والإبانة عن النعمة حتى لو فقد كان ما عداه بمنزلة العدم " . هذا عندنا يدل على شرف الحرف ، وصدق النطق به في الحضارة العربية الاسلامية ، لان النطق شاهد على التصديق مبدئيا ، وتصديق القلب يستلزم العمل بمقتضاه وهو من دلالات التوحيد . وقد عمد السيد الشريف الجرجاني في تعريفاته إلى قسمة الشكر شكرا لغويا :