البراءة من قول القائلين بالطبائع أو تدبير الكواكب أو تدبير الملائكة فأما البراءة بإثبات الباري جل ثناؤه والاعتراف له بالوجود من معاني التعطيل فلأن قوما ضلوا عن معرفة الله جل ثناؤه فكفروا وألحدوا وزعموا أنه لا فاعل لهذا العالم وأنه لم يزل على ما هو عليه ولا موجود إلا المحسوسات وليس وراءها شيء وأن الكوائن والحوادث إنما تكون وتحدث من قبل الطبائع التي في العناصر وهي الماء والنار والهواء والأرض ولا مدبر للعالم يكون ما يكون باختياره وصنعه فإذا أثبت المثبت للعالم إلها ونسب الفعل والصنع إليه فقد فارق الإلحاد والتعطيل وهذا أحسن مذاهب الملحدين والقائلون به يسميهم غيرهم من أهل الإلحاد الفرقة المتجاهلة ويدعونهم غير الفلاسفة أما البراءة من الشرك بإثبات الوحدانية فلأن قوما ادعوا فاعلين فزعموا أن أحدهما يفعل الخير والآخر يفعل الشر وزعم قوم أن بدء الخلق كان من النفس إلا أنه كان يقع منها لا على سبيل السداد والحكمة فأخذ الباري على يدها وعمد إلى مادة قديمة كانت موجودة معه لم تزل فركب منها هذا العالم على ما هو عليه من السداد والحكمة فإذا أثبت المثبت أن لا إله إلا الله واحد ولا خالق سواه ولا قديم غيره فقد انتفى عن قول الشريك الذي هو في البطلان ووجوب اسم الكفر لقائله كالإلحاد والتعطيل وأما البراءة من التشبيه بإثبات أنه ليس بجوهر ولا عرض فلان قوما زاغوا عن الحق فوصفوا الباري جل وعز ببعض صفات المحدثين فمنهم من قال إنه جوهر ومنهم من قال إنه جسم ومنهم من أجاز أن يكون على العرش قاعدا كما يكون الملك على سريره وكل ذلك في وجوب اسم الكفر لقائله كالتعطيل والتشريك