حسن الطريقة سريع البديهة ، حاضر الخاطر ، حولا قلبا ، عارفا بمهمات الأمور إصدارا وإيرادا . . . ، بل كان كما وصفه الحسن البصري : سهما صائبا من ما رمي الله على عدوه ، ورباني هذه الأمة وذا فضلها وذا فضلها وسابقتها وذا قرابتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يكن بالنئومة عن أمر الله ، ولا بالملومة في دين الله ، ولا بالسروقة لمال الله ، أعطى القرآن عزائمه ، ففاز منه برياض مونقة ، وأعلام مشرقة ، ذاك علي بن أبي طالب !
* * * كل هذه المزايا مجتمعة ، وتلك الصفات متآزرة متناصرة ، وما صاحبها من نفح إلهي ، وإلهام قدسي ، مكنت للامام على من موجوه البيان ، وملكته أعنقه الكلام ، وألهمته أسمى المعاني وأكرمها ، وهيأت له أشرف المواقف وأعزها ، فجزت على لسانه الخطب الرائعة ، والرسائل الجامعة ، والوصايا النافعة ، والكلمة يرسلها عفو الخاطر فتغدو حكمة ، والحديث يلقيه بلا تعمل ولا إعنات فيصبح مثلا ، في أداء محكم ، ومعنى واضح ، ولفظ عذب سائغ . . . وإذا هذا الكلام يملأ السهل والجبل ، ويتنقل في البدو والحضر ، يرويه على كثرته الرواة ويحفظه العلماء والدارسون ، قال المسعودي : والذي حفظ الناس عنه من خطبه في سائر مقاماته أربعمائة خطبة ، ونيف وثمانون خطبة ، يوردها على البديهة ، تداول عنه الناس ذلك قولا وعملا [1] .
ثم ظل هكذا محفوظا في الصدور مرويا على الأسنة ، حتى كان عصر التدوين والتأليف ، فانتثرت خطبه ورسائله في كتب التاريخ والسير والمغازي والمحاضرات والأدب