تحدر من أكرم المناسب ، وانتمى إلى أطيب الأعراق ، فأبوه أبو طالب عظيم المشيخة من قريش ، وجده عبد المطلب أمير مكة وسيد البطحاء ، ثم هو قبل ذلك من هامات بني هاشم وأعيانهم ، وبنو هاشم كانوا كما وصفهم الجاحظ : ملح الأرض ، وزينة الدنيا ، وحلي العالم ، والسنام الأضخم ، والكامل الأعظم ، ولباب كل جوهر كريم ، وسر كل عنصر شريف ، والطينة البيضاء ، والمغرس المبارك ، والنصاب الوثيق ، ومعدن الفهم ، وينبوع العلم . . . " [1] .
واختص بقرابته القريبة من الرسول عليه السلام ، فكان ابن عمه ، وزوج ابنته ، وأحب عترته إليه ، كما كان كاتب وحيه ، وأقرب الناس إلى فصاحته وبلاغته ، وأحفظهم لقوله وجوامع كلمه ، أسلم على يديه صبيا قبل أن يمس قلبه عقيدة سابقة ، أو يخالط عقله شوب من شرك موروث ، ولازمه فتيا يافعا ، في غدوة ورواحه ، وسلمه وحربه ، حتى تخلق بأخلاقه ، واتسم بصفاته ، وفقه عنه الدين ، وثقف ما نزل به الروح الأمين ، فكان من أفقه أصحابه وأقضاهم ، وأحفظهم وأوعاهم ، وأدقهم في الفتيا ، وأقربهم إلى الصواب ، وحتى قال فيه عمر : لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن ، وكانت حياته كلها مفعمة بالاحداث ، مليئة بحلائل الأمور ، فعلي عهد الرسو عليه السلام ناضل المشركين واليهود ، فكان فارس الحلبة ومشعر الميدان ، صليب النبع جميع الفؤاد . . . وفي أيام خلافته كانت له أحداث أخرى ، لقى فيها ما لقى من تفرق الكلمة واختلاف الجماعة ، وانفصام العروة ، ما طوى أضالعه على الهم والأسى ، ولاع قلبه بالحزن والشجن ، وفى كل ما لقى من أحداث وأمور ، وما صادف من محن وخطوب ، بلا الناس وخبرهم ، وتفطن لمطاوي نفوسهم ، واستشف ما وراء مظاهرهم ، فكان العالم المجرب الحكيم ، والناقد الصيرفي الخبير ، وكان لطيف الحسن ، نقى الجوهر وضاء النفس ، سليم الذوق ، مستقيم الرأي ،