responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه نویسنده : عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي    جلد : 1  صفحه : 131


وهذا جهل أيضا . لأن قرب المسافة لا يتصور إلا في حق الجسم .
وقال بعضهم : جهة العرش تحاذي ما يقابله من الذات ولا تحاذي جميع الذات ، وهذا صريح في التجسيم والتبعيض ، ويعز علينا كيف ينسب هذا القائل إلى مذهبنا ؟
واحتج بعضهم بأنه على العرش بقوله تعالى : ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) * فاطر : 10 . وبقوله : ( وهو القاهر فوق


* والصحيح في معنى قوله تعالى : ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) هو ما قاله الحافظ المتقن أبو حيان في تفسيره " البحر المحيط " ( 7 / 303 ) حيث قال : " وصعود الكلام إليه تعالى مجاز في الفاعل وفي المسمى إليه لأنه تعالى ليس في جهة ، ولأن الكلم ألفاظ لا توصف بالصعود ، لأن الصعود يكون من الأجرام ، وإنما ذلك - أي معنى الآية - : كناية عن القبول ، ووصفه بالكمال ، كما يقال : علا كعبه وارتفع شأنه ، ومنه : ترافعوا إلى الحاكم ورفع الأمر إليه ، وليس هناك علو في الجهة " ا ه‌ وما بين الشرطتين من إيضاحي . وقد ظنت المجسمة من ظاهر هذه الآية أنها دليل على أن معبودهم في السماء أو فوق السماء على العرش وأن الأعمال تصعد إليه ! ! ولم ينظروا إلى أساليب العربية ، ولا إلى كلام العرب الذين نزل القرآن الكريم بلغتهم ، ولم يلحظوا أن هؤلاء العرب كانوا يستعملون الاستعارات والمجاز والتفنن في التعبير حتى أنهم تميزوا بهذه الفصاحة عن سائر الأمم . ونحن في مثل هذا المقام لا بد لنا أن نذكر بعض الآيات التي أخذت المجسمة بظواهرها لتستدل بها على العلو الحسي الذي تعتقده ، ثم نردف ذلك بذكر بعض الآيات والأحاديث التي تبطل لهم استدلالهم والتي يشير ظاهرها على أنه سبحانه موجود في كل مكان ، وهذه عقيدة باطلة أيضا ، ليدرك أهل العلم وطلابه أن أولئك المجسمة يؤولون الآيات التي لا تدل على عقيدتهم الفاسدة التي تنص على أنه سبحانه في السماء أو على العرش حقيقة ، ولا يؤولون الآيات الأخرى التي يؤخذ من ظاهرها أنه سبحانه عما يقولون حال في السماء أو فوق العرش ، والحق في الجميع أي في هذين القسمين أن الظاهر غير مراد وأن الله سبحانه موجود بلا مكان لأنه خالق المكان ولا يجوز أن يحل فيه ، وأنه منزه عن أن يكون في كل مكان أو على العرش أو في السماء ، وإن جاز أن تطلق هذه الظواهر مجازا ويراد منها غير ظاهرها وذلك حسب سياق النصوص التي وردت فيها ، فهي إطلاقات عربية صحيحة غير مراد ظاهرها عند من تذوق هذه اللغة الفصيحة . ومن تلك الآيات التي يستدل بها المجسمة أيضا قوله تعالى : ( تعرج الملائكة والروح إليه ) أي : تعرج الملائكة إلى المكان الذي هو محلهم وهو في السماء ، لأن السماء محل بره وكرامته ، وهذا تماما كقول الله تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم عليه السلام ( إني ذاهب إلى ربي ) أي إلى الموضع الذي أمرني به ، أو إلى مفارقتكم للتفرغ لعبادة ربي وطاعته ، وبمثل الذي قلناه قال القرطبي في تفسيره ( 18 / 281 ) . قال الحافظ ابن حجر في الفتح ( 13 / 416 ) : " قال البيهقي : صعود الكلام الطيب والصدقة الطيبة عبارة عن القبول ، وعروج الملائكة هو إلى منازلهم في السماء . . " . ومن تلك الآيات أيضا قوله تعالى : ( إني متوفيك ورافعك إلي ) ومعناها ورافعك إلى السماء الثانية ، كما جاء في الصحيحين في حديث الإسراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد سيدنا عيسى في السماء الثانية . فيكون معنى الآية إني رافعك إلى مكان لا يستطيعون أن يصلوا إليك فيه ، ولا يعني أن سيدنا عيسى عليه السلام رفع إلى مكان فيه رب العالمين عند جميع العقلاء ، كما لا يعني أنه الآن عند الله حقيقة أو جالس مثلا بجنبه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، وهذا تماما كقوله تعالى في الظل في سورة الفرقان : ( ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا ) فقوله ( إلينا ) لا يعني أن الظل في الليل يذهب عند الله وأن الله في مكان فليتيقظ أولوا الألباب ، وليبتعدوا عمن يفهم القرآن بالعجمية والظواهر ، وليفهمه بالعربية الفصحى وبأساليبها في المجازات الاستعارية ، والدقائق البلاغية . ومن تلك الآيات أيضا قوله تعالى : ( أأمنتم من في السماء ) ومعناها أأمنتم من شأنه عظيم ، لأن العرب إذا أرادت أن تعظم شيئا وصفته بالعلو فتقول : فلان اليوم في السماء ، وفي المقارنة تقول : أين الثرى من الثريا ، والثريا نجم عال في السماء . فيكون معنى الآية أأمنتم من العظيم الجليل صاحب الرفعة والربوبية والبطش أن يخسف بكم الأرض ، أو يكون المراد بقوله تعالى : ( من في السماء ) سيدنا جبريل أو أي ملك يرسله الله ليخسف أي قرية أو أي موضع من الأرض ، كما أرسل الملك الذي خسف الأرض بقوم سيدنا لوط عليه السلام ، والملائكة مسكنها السماء . بصريح أدلة كثيرة منها ما رواه البخاري ( فتح 2 / 33 ) ومسلم ( برقم 632 ) مرفوعا : " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم - وهو أعلم بهم - : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون ، وأتيناهم وهم يصلون " هذا مع قول الله تعالى : ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) فالعربي يفهم من هذا أن الملائكة ليسوا في الأرض . وأما الآيات التي فيها ذكر النزول كقوله تعالى : ( نزل به الروح الأمين ) الشعراء : 192 وقوله تعالى : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) فلا دلالة فيها لما تريده المجسمة البتة ، وإنما فيها أن الملائكة تنزل من السماء إلى الأرض ، وأن القرآن نقله سيدنا جبريل عليه السلام من السماء أو من اللوح المحفوظ الذي هو فوق السماء السابعة إلى الأرض بأمر الله تعالى . وكل ما أنعم الله به علينا من نعم ورزق أمدنا به يقال : أتانا من الله أو أنزله الله تعالى إلينا ، ومنه قوله تعالى ( وأنزل الحديد ) مع أن الحديد يستخرج من باطن الأرض ، ويقال : نزل الأمر بهم ، ومنه قوله تعالى : ( فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين ) ومنه قوله تعالى : ( وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ) الزمر : 6 ، وهذه الأنعام لم تمطر السماء بها قط ، ومعنى أنزل هنا جعل كما في تفسير الحافظ السلفي ابن جرير ( 23 / 194 ) . ثم لنعلم جميعا أن هناك نصوص كثيرة في الكتاب والسنة الصحيحة يوهم ظاهرها أن الله في الأرض وفي كل مكان منها : قوله تعالى : ( والله معكم ) محمد : 35 ، وقوله : ( وهو معكم أين ما كنتم ) الحديد : 4 والضمائر مثل ( هو ) تعود على الذوات لا على الصفات أصلا كما هو مقرر في العربية والآية التي قبلها ( والله معكم ) تثبت ذلك قطعيا ، وقوله تعالى : ( ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ، ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ) المجادلة : 7 فلقائل أن يقول : قول من قال ( إلا هو رابعهم ) : بالعلم ، باطل ، وهو تأويل ركيك ، وقول الله بعد ذلك : ( إلا هو معهم أين ما كانوا ) ينسف هذا التأويل بالعلم نسفا ، وله أن يقول : إن الصفات لا تفارق الموصوفات . فإن قال قائل : إن قلتم أنه في كل مكان لزم منه أن يكون في الأماكن النجسة والمستقذرة ! ! قال له خصمه : كلا بل هو متجاف عنها كما أن أحدنا يمكن أن يكون في أي مكان أو كل مكان إلا أنه لا يكون ما دام عالما مختارا في القذر أو النجس . وهذا افتراض لجدل باطل وتعالى الله عن ذلك . وقوله تعالى : ( ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ) أي ولو كشف الحجاب لأبصرتم ، فهذا ينفي التأويل للآية السابقة بالعلم ، وكذلك ينفيه قوله تعالى : ( إنني معكما أسمع وأرى ) والأصل في العربية في لفظة ( إنني ) أنها تعود على الذات الموصوفة بالسمع والرؤية . ويؤكد ذلك كله من القرآن قوله تعالى في شأن سيدنا موسى : ( فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين ، وأن ألق عصاك ، فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب ، يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين ) القصص ( 30 - 31 ) . فماذا تقول المجسمة في ( نداء سيدنا موسى من شاطئ الوادي ) ؟ ! ! ( ومن الشجرة ) ؟ ! ! والمنادي سبحانه يقول : ( أنا الله رب العالمين ) ويقول لسيدنا موسى : ( أقبل ولا تخف ) ؟ ! ! ألا يدل ظاهر قوله : ( أقبل ولا تخف ) بعد قوله : ( إني أنا الله رب العالمين ) على أن الله سبحانه كان في الأرض في تلك الناحية ؟ ! ! ! وبماذا يمكن أن يعدل عن ظاهر هذه الألفاظ ؟ ! ثم إن هناك أحاديث صحيحة تؤيد ظواهر مثل هذه الآية منها : حديث البخاري ( الفتح 1 / 509 ) عن عبد الله بن عمر مرفوعا : " إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه إذا صلى " . وفي رواية أخرى للبخاري من حديث سيدنا أنس مرفوعا : " إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه أو إن ربه بينه وبين القبلة فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته . . " ( الفتح 1 / 508 ) قال الحافظ ابن حجر هناك : " فيه الرد على من أثبت أنه على العرش بذاته " . وفي صحيح مسلم : ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) فتأمل . ونحن لا نقول بهذه الظواهر الصريحة كما لا نقول بتلك الظواهر الصريحة لأن الله سبحانه ( ليس كمثله شئ ) فليعلم أهل الحق أن لكل من الطرفين أشباه أدلة وأن الحق سبحانه وتعالى منزه عن ذلك فهو موجود بلا مكان لأنه خالق المكان ومجري الزمان فكل ما خطر ببالك فالله تعالى بخلاف ذلك ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون ) فتنبه وتيقظ ولا تغفل عن هذا التعليق وأمثاله ، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .

نام کتاب : دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه نویسنده : عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي    جلد : 1  صفحه : 131
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست