إليه أن يقاتل ، ولكن تصرفاتهم لم تتأثر برغباتهم . طلب منهم عدم القتال فلم يقاتلوا ، ولو طلب إليهم القتال ربما كانوا استشهدوا جميعا دونه . قتل عثمان وبقيت الدولة بدون خليفة عدة أيام . أحجم كل من اتصل به الثوار عن قبول القيام بالأمر ، وأصبح أمر المدينة بأيدي الرعاع ، فكان لا بد لأحد من التضحية والقبول باستلام الأمر . وكان البطل ، وكان الضحية ، علي كرم الله وجهه . إن سيرة علي وشخصيته تجعلاننا نجزم بأنه كان يقدر مسبقا المصاعب التي تنتظره والموقف الخطر الذي سيواجهه . ولكنه فهم الحكم على أنه مسؤولية وتضحية ، فتقدم . . . وبايعه الجميع باستثناء نفر بسيط . ولكنه واجه منذ اليوم الأول مشكة صعب حلها ، بل لم يكن بيده أو بيده غيره حلها ، وهي مشكلة قتلة الخليفة السابق عثمان بن عفان رضي الله عنه . فقد اختلفت وجهات نظر الصحابة في الموضوع فكان لا بد من الخلاف ، ولكن كيف أدى الخلاف في وجهات النظر إلى القتال ؟ يجب ألا يفوتنا هنا الإشارة إلى أمر قد لا ندركه نحن ولا نقدره حق قدره في عصرنا الحاضر ، لاختلافنا عن ذلك الطراز من الرجال . لقد كان المسلمون الأولون على استعداد للموت دفاعا عما يؤمنون به ، وربما كانت تلك ميزتهم الكبرى التي فتحوا بها الأقطار وسادوا العالم . لذلك كان خلافهم عنيفا ، فكل واحد منهم يؤمن بأنه على حق ، وكلهم على استعداد للجود بأرواحهم لإعلاء كلمة الحق . ولا شك أن الذين كانوا يقيسون الأمور بمقياس الفائدة لا نكاد نجد لهم أثرا ، ولمن يشك في ذلك أن يتبصر بقصة استشهاد عمار بن ياسر رضي الله عنه التي سترد مفصلة خلال الكتاب ، فما هي الفوائد التي كان سيجنيها عمار ، ابن التسعين ، لو ربح علي ؟ .