لم تبلغه دولة قديمة ولا حديثه . وأعتقد أن كثيرين من الذين نقموا على علي فيما بعد ، إنما كانت دوافعهم عن الشرعية . فقد أدرك الصحابة بنقاء حدسهم وصفاء إخلاصهم أن التجرؤ على مركز أمير المؤمنين ، والتغاضي عن أية فئة تقتل الخليفة أو تحاول خلعة بالقوة ، يشكل ضربة قاتلة لمفهوم الخلافة ، و يفتح الباب على مصراعيه أمام سلسلة لا متناهية من التآمر والاقتتال في سبيل الوصول إلى مركز السلطة . إن الخليفة في نظر الاسلام رجل يختاره المسلمون بملء إرادتهم ليتولى قيادتهم وتسير أمورهم ، وأي تعد عليه تعد على جميع المسلمين ، واستهانة بإرادتهم ، ولا يجوز خلعه شرعا إلا في حالات معينة حددها الشرع الاسلامي ، مما لا مجال للإطالة في شرحه في مقدمة كتاب تاريخي ، كما أن الاسلام واضح في تكريمه للإنسان وحرصه الشديد على المحافظة على حياته ، حيث جعل جريمة قتل الانسان أكبر جريمة يمكن أن يرتكبها امرؤ على الإطلاق : ( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ) . تلك نظرة الاسلام إلى قتل الانسان . فكيف يقتل الخليفة ويتهاون المسلمون في إقامة حدود الله على القاتلين ؟ لقد اعتبر الصحابة تلك الجريمة أبشع مما تستطيع أن تصوره الأقلام ، و اعتقدوا أن أي تهاون في إقامة الحدود على القائلين تهاون بشرع الله وتحطيم للدين . و لم يكن الإمام علي يخالف هذه النظرة ، فقد كان أشد الصحابة حرصا على إقامة الحدود ، يؤيد رأينا أنه كان أكثر المتحمسين لإقامة الحد على عبيد الله ابن عمر لقتله الهرمزان . ولكن ظروفا خارجة عن إرادته منعته في هذه الحالة من الإسراع في قصاص قتلة عثمان ، ولم يترك ذلك إلا بعد أن قتلوا جميعهم في المعارك .