وفي ظروف مهيأة كالتي وصفناها يمكن بسهولة لعدة أشخاص يعملون بقيادة واحدة وفق مخطط مدروس أن يلهبوا نار الفتنة ، ويلعبوا بعواطف الرعاع ، بل حتى العقلاء والفضلاء ، وهذا ما حصل فعلا كما سنرى . كان من نتيجة كل ما أوردناه من أسباب ، أن خرج من أهل مصر ما بين 600 إلى 1000 شخص متجهين إلى المدينة ، ولم يجترئوا أن يعلموا الناس بخروجهم إلى الحرب ، وإنما خرجوا كالحجاج ومعهم ابن السوداء . وخرج من أهل الكوفة عدد كعدد أهل مصر ، ومثلهم من أهل البصرة . ولما وصل الخبر إلى أهل المدينة استعدوا لقتالهم ، فاتصل أهل البصرة بطلحة ، وأهل مصر بعلي ، وأهل الكوفة بالزبير ، فلاقوا صدودا وردا واحدا . عندها تظاهروا بالعودة ورجعوا إلى عساكرهم على بعد ثلاث مراحل ، حتى إذا تفرق أهل المدينة فجؤوها و احتلوها ، واخترعوا الأسباب لعودتهم ، كما سيرد في الكتاب . . . وحاصروا عثمان في داره مدة اختلف المؤرخون في مقدارها ، وهي في رواية سيف أربعين ليلة ، كان عثمان خلال ثلاثين يوما قبلها يصلي بالناس بمن فيهم الثوار أنفسهم ، ولكن لما عملوا بقرب وصول جيش معاوية لنجدته منعوه الخروج و الماء والطعام آملين أن يترك الخلافة . وعندما يئسوا من ذلك قتلوه . أما كيف استطاعوا قتله في المدينة وفيها علي وطلحة والزبير رضوان الله عليهم وعدد لا بأس به من الصحابة . هنا يعسر الجزم بتحليل ، ولكن الذي يظهر من تتبع النصور هو ما يلي : 1 - أغلب الظن أنه لم يتوارد إلى ذهن أحد من الصحابة أن الأمر سيصل إلى حد قتل الخليفة . لقد كان ذلك في نظر الناس ، حتى الثائرين على عثمان ، أمرا جللا لا يخطر ببال . إن تمسك المسلمين بالشرعية بلغ في ذلك الزمن حدا