المواجهة الأولى سنة 34 ه : وقد كان أهل مصر كاتبوا أشياعهم من أهل الكوفة وأهل البصرة وجميع من أجابهم أن يثوروا خلاف أمرائهم . واتعدوا يوما حيث شخص أمراؤهم ، فلم يستقم ذلك لأحد منهم ، ولم ينهض إلا أهل الكوفة ، فإن يزيد بن قيس الأرحبي ثار فيها . واجتمع إلي أصحابه ، وعلى الحرب يومئذ القعقاع بن عمرو ، فأتاه ، فأحاط الناس بهم وناشدوهم ، فقال يزيد للقعقاع ما سبيلك علي وعلى هؤلاء ! فوالله إني لسامع مطيع ، وإني للازم لجماعتي إلا أني أستعفي ومن ترى من إمارة سعيد ، فقال استعفى الخاصة من أمر قد رضيته العامة ؟ قال : فذاك إلى أمير المؤمنين . فتركهم والاستعفاء ، ولم يستطيعوا أن يظهروا غير ذلك ، فاستقبلوا سعيدا ، فردوه من الجرعة ، واجتمع الناس على أبي موسى ، وأقره عثمان رضي الله تعالى عنه . ولما رجع الأمراء لم يكن للسبئية سبيل إلى الخروج إلى الأمصار ، وكاتبوا أشياعهم من أهل الأمصار أن يتوافوا بالمدينة لينظروا فيما يريدون ، وأظهروا أنهم يأمرون بالمعروف ، ويسألون عثمان عن أشياء لتطير في الناس ، ولتحقق عليه ، فتوافوا بالمدينة ، وأرسل عثمان رجلين : مخزوميا وزهريا ، فقال : انظرا ما يريدون ، واعلما علمهم - وكانا ممن قد ناله من عثمان أدب ، فاصطبرا للحق ، ولم يضطغنا - فلما رأوهما باثوهما وأخبروهما بما يريدون ، فقالا : من معكم على هذا من أهل المدينة ؟ قالوا : ثلاثة نفر ، فقالا : هل إلا ؟ قالوا : لا ! قالا : فكيف تريدون أن تصنعوا ؟ قالوا : نريد أن نذكر له أشياء قد زرعناها في قلوب الناس ، ثم نرجع إليهم فنزعم لهم أنا قررناه بها . فلم يخرج منها ولم يتب ثم نخرج كأنا حجاج حتى نقدم فنحيط به فنخلعه ، فإن أبى قتلناه . وكانت إياها ، فرجعا إلى عثمان بالخبر ، فضحك وقال ، اللهم سلم هؤلاء ، فإنك أن لم تسلمهم شقوا .