أصحاب الموازين على ظاهر الشرع ، فإنهم يزدرون ويحتقرون كل من خالف ما فهموه ويغلظون عليه الكلام ، إلا إن كان له مال أو جاه كما هو مشاهد منهم حال خطابهم الأمراء والمباشرين مع علمهم بمظالمهم وشربهم الخمر وتضييع الصلوات وغير ذلك ، فيتلطفون بهم في حال خطابهم أشد الملاطفة بخلاف من لا مال له ولا جاه من الحشاشين وأصحاب الكتب ، ولو فتح الله عيون بصائر هؤلاء لتلطفوا في كلامهم لسائر المسلمين ، فإن ذلك أقرب إلى انقيادهم لهم وسماع وعظهم . وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : " " من شرط الداعي إلى الله تعالى أن لا يكون عنده غلظة ولا فظاظة على الفسقة المارقين ، بل يجب عليه تليين الكلام والتقرب إلى خواطرهم بالإحسان إليهم ، حتى يميلوا إليه ، فإذا مالوا فلينصحهم إذ ذاك " " . وقد بلغنا أن داود عليه السلام كان يغلظ القول على عصاة بني إسرائيل ، حتى أنه ربما يقول : " " اللهم لا ترحم من عصاك " " ، فلما وقع في الخطيئة التي ذكرها الله تعالى صار يقول : " " اللهم اغفر للخطائين حتى تغفر لداود معهم " " ، ثم أوحى الله تعالى إليه : " " يا داود المستقيم لا يحتاج إليك والأعرج [ لعلها والأعوج ؟ ؟ ] أغلظت عليه بالقول حتى نفر منك ونفرت منه فلماذا أرسلت ؟ " " فتنبه داود لذلك وصار يطوف على بني إسرائيل في بيوتهم ويكلمهم بالكلام اللين ويعظهم بالموعظة الحسنة ويجادلهم بالتي هي أحسن . قلت : وقد أقبلت مرة من سفر الريف على خان بنات الخطأ فرأيت صاحبة حملة مهر البغايا فسلمت عليها وكلمتها بكلام لين وعرضت لها بالتوبة فتابت ، وجاءت بزوجها فتاب الآخر من تلك المعصية حتى ماتا . وكلمت مرة يهوديا بكلام حلو فأسلم وحسن إسلامه ، ثم سافر إلى بيت المقدس فعمل خادما فيه حتى مات . وسيأتي في عهود المنهيات أن جماعة من الفسقة مروا في زورق في الدجلة على معروف الكرخي وبين أيديهم الخمر وآلات اللهو ، فقالوا له : يا سيدي ادع الله تعالى عليهم ، فقال : ابسطوا أيديكم معي ، فبسطوها فقال معروف : " " اللهم كما فرحتهم في الدنيا ففرحهم في الآخرة " " ، فقالوا له : كيف ذلك ؟ فقال : " " يا أولادي إذا فرحهم في الآخرة تاب عليهم في الدنيا فطوينا لهم التوبة في الدعاء " " .